responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 2  صفحه : 189
فَعَلَهُ، لِجَحْدِهِمُ الْحَقَّ وَعَدَاوَتِهِمْ لِلدِّينِ وَأَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ جَاهَرَ بِالْمَعَاصِي كَشُرَّابِ الْخَمْرِ وَأَكَلَةِ الرِّبَا، وَمَنْ تَشَبَّهَ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَمِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ لَعْنُهُ. الثَّانِيَةُ- لَيْسَ لَعْنُ الْكَافِرِ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ لَهُ عَنِ الْكُفْرِ، بَلْ هُوَ جَزَاءٌ عَلَى الْكُفْرِ وَإِظْهَارُ قُبْحِ كُفْرِهِ، كَانَ الْكَافِرُ مَيِّتًا أَوْ مَجْنُونًا. وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي لَعْنِ مَنْ جُنَّ أَوْ مَاتَ مِنْهُمْ، لَا بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ وَلَا بِطَرِيقِ الزَّجْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ النَّاسَ يَلْعَنُونَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَتَأَثَّرَ بِذَلِكَ وَيَتَضَرَّرَ وَيَتَأَلَّمَ قَلْبُهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً «[1]» "، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَعْنِهِمْ، لَا عَلَى الْأَمْرِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ لَعْنَ الْعَاصِي الْمُعَيَّنَ لَا يجوز اتفاقا، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَارِبِ خَمْرٍ مِرَارًا، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ: لَعَنَهُ اللَّهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ) فَجَعَلَ لَهُ حُرْمَةَ الْأُخُوَّةِ، وَهَذَا يُوجِبُ الشَّفَقَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ: خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي لَعْنِ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ) فِي حَقِّ نُعَيْمَانَ [2] بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَعْنُهُ، وَمَنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَلَعْنَتُهُ جَائِزَةٌ سَوَاءً سُمِّيَ أَوْ عُيِّنَ أَمْ لَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْعَنُ إِلَّا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الْمُوجِبَةِ لِلَّعْنِ، فَإِذَا تَابَ مِنْهَا وَأَقْلَعَ وَطَهَّرَهُ الْحَدُّ فَلَا لَعْنَةَ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ. وَبَيَّنَ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يثرب [3].

[1] راجع ج 13 ص 339.
[2] نعمان: هو ابن عمرو بن رفاعة، شهد العقبة وبدرا والمشاهد بعدها، وكان كثير المزاح، يضحك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مزاحه. (عن أسد الغابة).
[3] قال ابن الأثير في النهاية:" أي لا يوبخها ولا يقرعها بالزنا بعد الضرب. وقيل: أراد لا يقنع في عقوبتها بالتثريب بل يضربها الحد".
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 2  صفحه : 189
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست