responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 15  صفحه : 112
" مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ" [الحج: 78] وَالْإِيمَانُ الْتِزَامٌ أَصْلِيٌّ، وَالنَّذْرُ الْتِزَامٌ فَرْعِيٌّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُؤْمَرُ إِبْرَاهِيمُ بِذَبْحِ الْوَلَدِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْصِيَةِ لَا يَجُوزُ. قُلْنَا: هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ الْإِسْلَامُ، فَكَيْفَ بِمَنْ يُفْتِي فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ"
وَالَّذِي يَجْلُو الْإِلْبَاسَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْمَعَاصِيَ وَالطَّاعَاتِ لَيْسَتْ بِأَوْصَافٍ ذَاتِيَّةٍ لِلْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا الطَّاعَاتُ عِبَارَةٌ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ مِنَ الْأَفْعَالِ، وَالْمَعْصِيَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ النَّهْيُ مِنَ الْأَفْعَالِ، فَلَمَّا تَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِذَبْحِ الْوَلَدِ إِسْمَاعِيلَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ صَارَ طَاعَةً وَابْتِلَاءً، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ" فِي الصَّبْرِ عَلَى ذَبْحِ الْوَلَدِ وَالنَّفْسِ، وَلَمَّا تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِنَا فِي ذَبْحِ أَبْنَائِنَا صَارَ مَعْصِيَةً. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِيرُ نَذْرًا وَهُوَ مَعْصِيَةٌ. قُلْنَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعْصِيَةً لَوْ كَانَ يَقْصِدُ ذَبْحَ الْوَلَدِ بِنَذْرِهِ وَلَا يَنْوِي الْفِدَاءَ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ وَقَصَدَ الْمَعْصِيَةَ وَلَمْ يَنْوِ الْفِدَاءَ؟ قُلْنَا: لَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ فِي قَصْدِهِ وَلَا أَثَّرَ فِي نَذْرِهِ، لِأَنَّ نَذْرَ الْوَلَدِ صَارَ عِبَارَةً عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ شَرْعًا. الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ" أَيْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ثَنَاءً جَمِيلًا فِي الْأُمَمِ بَعْدَهُ، فَمَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا تُصَلِّي عَلَيْهِ وتحبه. وَقِيلَ: هُوَ دُعَاءُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ" وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" [الشعراء. 84]. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ السَّلَامُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ أَيْ سَلَامًا مِنَّا. وَقِيلَ: سَلَامَةٌ لَهُ مِنَ الْآفَاتِ مثل:" سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ" [الصافات: 79] حسب ما تقدم." كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ" أَيْ مِنَ الَّذِينَ أَعْطَوُا الْعُبُودِيَّةَ حَقَّهَا حَتَّى اسْتَحَقُّوا الْإِضَافَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بُشِّرَ بِنُبُوَّتِهِ وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْبِشَارَةَ كَانَتْ مَرَّتَيْنِ [1]، فَعَلَى هَذَا الذَّبِيحُ هُوَ إِسْحَاقُ بُشِّرَ بِنُبُوَّتِهِ جَزَاءً عَلَى صَبْرِهِ وَرِضَاهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ وَاسْتِسْلَامِهِ لَهُ." وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ" أَيْ ثَنَّيْنَا عَلَيْهِمَا النِّعْمَةَ. وَقِيلَ كَثَّرْنَا وَلَدَهُمَا، أَيْ بَارَكْنَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى أَوْلَادِهِ، وَعَلَى إِسْحَاقَ حِينَ أَخْرَجَ أَنْبِيَاءَ بَنِي

[1] في حاشية الجمل نقلا عن القرطي: بشر بنبوته ووقعت البشارة به مرتين.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 15  صفحه : 112
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست