responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 11  صفحه : 67
كَجِبَالِ تِهَامَةَ فَلَا تَزِنُ شَيْئًا. وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْمَجَازَ وَالِاسْتِعَارَةَ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَلَا قَدْرَ لَهُمْ عِنْدَنَا يَوْمئِذٍ [1]، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ ذَمُّ السِّمَنِ لِمَنْ تَكَلَّفَهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكَلُّفِ الْمَطَاعِمِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَنِ الْمَكَارِمِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ الْمُبْتَغَى بِهِ التَّرَفُّهُ وَالسِّمَنُ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْحَبْرُ السَّمِينُ). وَمِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ- قَالَ عِمْرَانُ فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً- ثُمَّ إِنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمًا يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمون وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ (وَهَذَا ذَمٌّ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ السِّمَنَ الْمُكْتَسَبَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالشَّرَهِ، وَالدَّعَةِ وَالرَّاحَةِ وَالْأَمْنِ وَالِاسْتِرْسَالِ مَعَ النَّفْسِ عَلَى شَهَوَاتِهَا، فَهُوَ عَبْدُ نَفْسِهِ لَا عَبْدُ رَبِّهِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ وَقَعَ لَا مَحَالَةَ فِي الْحَرَامِ، وَكُلُّ لَحْمٍ تَوَلَّدَ عَنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الْكُفَّارَ بِكَثْرَةِ الْأَكْلِ فَقَالَ:" وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ" [2] [محمد: 12] فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ، وَيَتَنَعَّمُ بِتَنَعُّمِهِمْ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ وَأَزْمَانِهِ، فَأَيْنَ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ، وَالْقِيَامُ بِوَظَائِفِ الْإِسْلَامِ؟! وَمَنْ كَثُرَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ كَثُرَ نَهَمُهُ وَحِرْصُهُ، وَزَادَ بِاللَّيْلِ كَسَلُهُ وَنَوْمُهُ، فَكَانَ نَهَارَهُ هَائِمًا، وَلَيْلَهُ نَائِمًا. وَقَدْ مَضَى فِي" الْأَعْرَافِ" [3] هَذَا الْمَعْنَى، وَتَقَدَّمَ فِيهَا ذِكْرُ الْمِيزَانِ [4]، وَأَنَّ لَهُ كِفَّتَيْنِ تُوزَنُ فِيهِمَا صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ ضَحِكُوا مِنْ حَمْشِ [5] سَاقِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَصْعَدُ النَّخْلَةَ: (تَضْحَكُونَ مِنْ سَاقٍ تُوزَنُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْأَرْضِ) فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَشْخَاصَ تُوزَنُ، ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ) " ذلِكَ" إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ الْوَزْنِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ" جَزاؤُهُمْ" خَبَرُهُ و (جَهَنَّمُ) 20 بَدَلٌ مِنَ الْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ" ذلِكَ" و" ما" فِي قَوْلِهِ:" بِما كَفَرُوا 10" مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْهُزُءُ الِاسْتِخْفَافُ والسخرية، وقد تقدم.

[1] في ك: يوم القيامة.
[2] راجع ج 16 ص 234.
[3] راجع ج 7 ص 191 فما بعد وص 165.
[4] راجع ج 7 ص 191 فما بعد وص 165. [ ..... ]
[5] حمش الساق: دقيقها.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 11  صفحه : 67
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست