responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 11  صفحه : 189
فِي عَصَاهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ الْعِظَامِ، وَالْآيَاتِ الْجِسَامِ، مَا آمَنَ بِهِ السَّحَرَةُ الْمُعَانِدُونَ. وَاتَّخَذَهَا سُلَيْمَانُ لِخُطْبَتِهِ وَمَوْعِظَتِهِ وَطُولِ صَلَاتِهِ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ صَاحِبَ عَصَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنَزَتِهِ، وَكَانَ يَخْطُبُ بِالْقَضِيبِ- وَكَفَى بِذَلِكَ فَضْلًا عَلَى شَرَفِ حَالِ الْعَصَا- وَعَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ وَكُبَرَاءُ الْخُطَبَاءِ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ، الْفُصَحَاءِ اللُّسُنِ الْبُلَغَاءِ أَخْذُ الْمِخْصَرَةِ وَالْعَصَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْكَلَامِ، وَفِي الْمَحَافِلِ وَالْخُطَبِ. وَأَنْكَرَتِ الشُّعُوبِيَّةُ عَلَى خُطَبَاءِ الْعَرَبِ أَخْذَ الْمِخْصَرَةِ وَالْإِشَارَةَ بِهَا إِلَى الْمَعَانِي. وَالشُّعُوبِيَّةُ تُبْغِضُ الْعَرَبَ وَتُفَضِّلُ الْعَجَمَ. قَالَ مَالِكٌ: كَانَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ يُمْسِكُ الْمِخْصَرَةَ يَسْتَعِينُ بِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَالرَّجُلُ إِذَا كَبِرَ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ الشَّبَابِ يَقْوَى بِهَا عِنْدَ قِيَامِهِ. قُلْتُ: وَفِي مِشْيَتِهِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
قَدْ كُنْتُ أَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ مُعْتَمِدًا ... فَصِرْتُ أَمْشِي عَلَى أُخْرَى مِنَ الْخَشَبِ
قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ: وَقَدْ كَانَ النَّاسُ إِذَا جَاءَهُمُ الْمَطَرُ خَرَجُوا بِالْعِصِيِّ يَتَوَكَّئُونَ عَلَيْهَا، حَتَّى لَقَدْ كَانَ الشَّبَابُ يَحْبِسُونَ عِصِيَّهُمْ، وَرُبَّمَا أَخَذَ رَبِيعَةُ الْعَصَا مِنْ بَعْضِ مَنْ يَجْلِسُ إِلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ. وَمِنْ مَنَافِعِ الْعَصَا ضَرْبُ الرَّجُلِ نِسَاءَهُ بِهَا فِيمَا يُصْلِحُهُمْ، وَيُصْلِحُ حَالَهُ وَحَالَهُمْ مَعَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ) [1] فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَوْصَاهُ:: (لَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ أَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ) رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلِّقْ سَوْطَكَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُكَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي" النِّسَاءِ" [2]. وَمِنْ فَوَائِدِهَا التَّنْبِيهُ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، كَمَا قِيلَ لِبَعْضِ الزُّهَّادِ: مالك تَمْشِي عَلَى عَصًا وَلَسْتَ بِكَبِيرٍ وَلَا مَرِيضٍ؟ قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنِّي مُسَافِرٌ، وَأَنَّهَا دَارُ قَلْعَةٍ، وَأَنَّ الْعَصَا مِنْ آلَةِ السَّفَرِ، فَأَخَذَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ:
حَمَلْتُ الْعَصَا لَا الضَّعْفُ أَوْجَبَ حَمْلَهَا ... عَلَيَّ وَلَا أَنِّي تَحَنَّيْتُ مِنْ كِبَرْ
وَلَكِنَّنِي أَلْزَمْتُ نَفْسِيَ حَمْلَهَا ... لِأُعْلِمَهَا أَنَّ المقيم على سفر

[1] هذا من حديث فاطمة بنت قيس حيث جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ له أن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية بن أبي سفيان خطباها فقال: (أما أبو جهم فرجل لا يرفع عصاه عن النساء وأما معاوية فصعلوك لا مال له) الترمذي.
[2] راجع ج 5 ص 174.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 11  صفحه : 189
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست