responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 11  صفحه : 115
الثَّانِيَةُ- صِدْقُ الْوَعْدِ مَحْمُودٌ وَهُوَ مِنْ خُلُقِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَضِدُّهُ وَهُوَ الْخُلْفُ مَذْمُومٌ، وَذَلِكَ مِنْ أَخْلَاقِ الْفَاسِقِينَ وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي" بَرَاءَةٍ" [1]. وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ إِسْمَاعِيلَ فَوَصَفَهُ بِصِدْقِ الْوَعْدِ. وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ وَعَدَ مِنْ نَفْسِهِ بِالصَّبْرِ عَلَى الذَّبْحِ فَصَبَرَ حَتَّى فُدِيَ. هَذَا فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ الذَّبِيحُ. وَقِيلَ: وَعَدَ رَجُلًا أَنْ يَلْقَاهُ فِي مَوْضِعٍ فَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ وَانْتَظَرَ الرَّجُلَ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الْآخَرِ جَاءَ، فَقَالَ لَهُ: مَا زلت ها هنا فِي انْتِظَارِكَ مُنْذُ أَمْسِ. وَقِيلَ: انْتَظَرَهُ ثَلَاثَةَ أيام. وقد فَعَلَ مِثْلَهُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَعْثِهِ، ذَكَرَهُ النَّقَّاشُ وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ فَنَسِيتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ، فَقَالَ: (يَا فَتَى لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ) لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ. وَقَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ: انْتَظَرَهُ إِسْمَاعِيلُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ انْتَظَرَهُ سَنَةً. وَذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَعَدَ صَاحِبًا لَهُ أن ينتظره في مكان فانتظر سَنَةً. وَذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ قَالَ: فَلَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ سَنَةً حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: إِنَّ التَّاجِرَ الَّذِي سَأَلَكَ أَنْ تَقْعُدَ لَهُ حَتَّى يَعُودَ هُوَ إِبْلِيسُ فَلَا تَقْعُدْ وَلَا كَرَامَةَ لَهُ. وَهَذَا بَعِيدٌ وَلَا يَصِحُّ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ إِسْمَاعِيلَ لَمْ يَعِدْ شَيْئًا إِلَّا وَفَّى بِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ- مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعِدَةُ دَيْنٌ). وَفِي الْأَثَرِ (وَأْيُ [2] الْمُؤْمِنِ وَاجِبٌ) أَيْ فِي أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَرْضًا لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ أَنَّ مَنْ وَعَدَ بِمَالٍ مَا كَانَ لِيَضْرِبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِيجَابُ الْوَفَاءِ بِهِ حَسَنٌ مَعَ الْمُرُوءَةِ، وَلَا يُقْضَى بِهِ. وَالْعَرَبُ تَمْتَدِحُ بِالْوَفَاءِ، وَتَذُمُّ بِالْخُلْفِ وَالْغَدْرِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأُمَمِ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:
مَتَى مَا يَقُلْ حُرٌّ لِصَاحِبِ حَاجَةٍ ... نَعَمْ يَقْضِهَا وَالْحُرُّ لِلْوَأْيِ ضَامِنُ

[1] راجع ج 8 ص 212 فما بعد. [ ..... ]
[2] الوأي، الوعد.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 11  صفحه : 115
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست