responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الطبري جامع البيان - ط هجر نویسنده : الطبري، ابن جرير    جلد : 14  صفحه : 446
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهَا الْحَسَنُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ {§وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] وَلِقَوْلِ اللَّهِ فِي الْخَبَرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قَالَ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102] ثُمَّ مَضَى عَلَى ذَلِكَ، فَعَرَفْتُ أَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِي بِالْأَنْبِيَاءِ مِنَ اللَّهِ أَيْقَاظًا وَنِيَامًا، وَكَانَ رَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَنَامُ عَيْنِي وَقَلْبِي يَقْظَانُ» فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَاءَهُ وَعَايَنَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا عَايَنَ عَلَى أَيِّ حَالَاتِهِ كَانَ نَائِمًا أَوْ يَقْظَانًا كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ، وَكَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ اللَّهَ حَمَلَهُ عَلَى الْبُرَاقِ حِينَ أَتَاهُ بِهِ، وَصَلَّى هُنَالِكَ بِمَنْ صَلَّى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، فَأَرَاهُ مَا أَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَسْرَى بِرُوحِهِ دُونَ جَسَدِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَلَا كَانَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا حَقِيقَةَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ بِهِ عَنْ صِدْقِهِ فِيهِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَهُمْ، وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الْفِطْرَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ -[447]- أَنْ يَرَى الرَّائِي مِنْهُمْ فِي الْمَنَامِ مَا عَلَى مَسِيرَةِ سَنَةٍ، فَكَيْفَ مَا هُوَ عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ؟ وَبَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ أَسْرَى بِعَبْدِهِ، وَلَمْ يُخْبِرْنَا أَنَّهُ أَسْرَى بِرُوحِ عَبْدِهِ، وَلَيْسَ جَائِزًا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى مَا قَالَ اللَّهُ إِلَى غَيْرِهِ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، إِذْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهَا، كَمَا قَالَ قَائِلُهُمْ:
[البحر الوافر]
حَسِبْتُ بُغَامَ رَاحِلَتِي عَنَاقًا ... وَمَا هِيَ وَيْبَ غَيْرِكَ بِالْعَنَاقِ
يَعْنِي: حَسِبْتُ بُغَامَ رَاحِلَتِي صَوْتَ عَنَاقٍ، فَحَذَفَ الصَّوْتَ وَاكْتَفَى مِنْهُ بِالْعَنَاقِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مَفْهُومًا مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهُمْ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ. فَأَمَّا فِيمَا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ إِلَّا بِظُهُورِهِ، وَلَا يُوصَلُ إِلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَّا بِبَيَانِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْذِفُ ذَلِكَ، وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ قَوْلِهِ: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] أَسْرَى بِرُوحِ عَبْدِهِ، بَلِ الْأَدِلَّةُ الْوَاضِحَةُ، وَالْأَخْبَارُ الْمُتَتَابِعَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ أَسْرَى بِهِ عَلَى دَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا الْبُرَاقُ، وَلَوْ كَانَ الْإِسْرَاءُ بِرُوحِهِ لَمْ تَكُنِ الرُّوحُ مَحْمُولَةً عَلَى الْبُرَاقِ، إِذْ كَانَتِ الدَّوَابُّ لَا تَحْمِلُ إِلَّا الْأَجْسَامَ. إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا: أَسْرَى بِرُوحِهِ: رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ عَلَى الْبُرَاقِ، فَيُكَذِّبُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ جِبْرَئِيلَ حَمَلَهُ عَلَى الْبُرَاقِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَنَامًا عَلَى قَوْلِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ، وَلَمْ تَكُنِ الرُّوحُ عِنْدَهُ مِمَّا تَرْكَبُ الدَّوَابَّ، وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْبُرَاقِ جِسْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ لَا جِسْمُهُ، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَصَارَ الْأَمْرُ عِنْدَهُ كَبَعْضِ أَحْلَامِ -[448]- النَّائِمِينَ، وَذَلِكَ دَفْعٌ لِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَمَا تَتَابَعَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنِ الْأَئِمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
نام کتاب : تفسير الطبري جامع البيان - ط هجر نویسنده : الطبري، ابن جرير    جلد : 14  صفحه : 446
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست