responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 498
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ مِنْ بُلُوغِ النِّكَاحِ هُوَ الِاحْتِلَامُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ [النور: 59] وَهُوَ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنِ الْبُلُوغِ مَبْلَغَ الرِّجَالِ الَّذِي عِنْدَهُ يَجْرِي عَلَى صَاحِبِهِ الْقَلَمُ وَيَلْزَمُهُ الْحُدُودُ وَالْأَحْكَامُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الِاحْتِلَامُ بُلُوغَ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ إِنْزَالُ الْمَاءِ الدَّافِقِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْجِمَاعِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْبُلُوغِ عَلَامَاتٌ خَمْسَةٌ: مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَهُوَ الِاحْتِلَامُ وَالسِّنُّ الْمَخْصُوصُ، وَنَبَاتُ الشَّعْرِ الخشن على العانة، واثنان منها مُخْتَصَّانِ بِالنِّسَاءِ، وَهُمَا: الْحَيْضُ وَالْحَبَلُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَمَّا إِينَاسُ الرُّشْدِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَفْسِيرِ الْإِينَاسِ وَمِنْ تَفْسِيرِ الرُّشْدِ، أَمَّا الْإِينَاسُ فَقَوْلُهُ:
آنَسْتُمْ أَيْ عَرَفْتُمْ وَقِيلَ: رَأَيْتُمْ، وَأَصْلُ الْإِينَاسِ فِي اللُّغَةِ الْإِبْصَارُ، وَمِنْهُ قَوْلِهِ: آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا [الْقَصَصِ: 29] وَأَمَّا الرُّشْدُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الرُّشْدَ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِصَلَاحِ مَالِهِ، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادًا، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُصْلِحٌ لِمَا لَهُ حَتَّى لَا يَقَعَ مِنْهُ إِسْرَافٌ وَلَا يَكُونَ بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْغَيْرُ عَلَى خَدِيعَتِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُضَمُّ إِلَيْهِ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا: الرُّشْدُ هُوَ إِصَابَةُ الْخَيْرِ، وَالْمُفْسِدُ فِي دِينِهِ لَا يَكُونُ مُصِيبًا لِلْخَيْرِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الرُّشْدَ نَقِيضُ/ الْغَيِّ قَالَ تَعَالَى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [الْبَقَرَةِ: 256] والغني هُوَ الضَّلَالُ وَالْفَسَادُ وَقَالَ تَعَالَى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه: 121] فَجَعَلَ الْعَاصِيَ غَوِيًّا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّشْدَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا مَعَ الصَّلَاحِ فِي الدِّينِ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هُودٍ: 97] نَفْيُ الرُّشْدِ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يُرَاعِي مَصَالِحَ الدِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: فَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْفَاسِقِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَرَاهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ فَإِنَّهُ لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ دُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ هَذَا السِّنَّ لِأَنَّ مُدَّةَ بُلُوغِ الذَّكَرِ عِنْدَهُ بِالسِّنِّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ سَبْعَ سِنِينَ وَهِيَ مُدَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي تَغَيُّرِ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ»
فَعِنْدَ ذَلِكَ تَمَّتِ الْمُدَّةُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا حُصُولُ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ، فَعِنْدَهَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ، أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ أَوْ لَمْ يُؤْنَسْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ أَبَدًا إِلَّا بِإِينَاسِ الرُّشْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
احْتَجَّ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّ اسْمَ الرُّشْدِ وَاقِعٌ عَلَى الْعَقْلِ فِي الْجُمْلَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى شَرَطَ رُشْدًا مُنَكَّرًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ سَائِرَ ضُرُوبِ الرُّشْدِ، فَاقْتَضَى ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الْعَقْلُ فَقَدْ حَصَلَ مَا هُوَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَيَلْزَمُ جَوَازَ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:
وَابْتَلُوا الْيَتامى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ ابْتِلَاؤُهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ حِفْظِ الْمَالِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فِي حِفْظِ الْمَالِ وَضَبْطِ مَصَالِحِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ ذَلِكَ تَفَكَّكَ النَّظْمُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْبَعْضِ تَعَلُّقٌ بِالْبَعْضِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَلِمْنَا أَنَّ الشَّرْطَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْآيَةِ هُوَ حُصُولُ الرُّشْدِ فِي رِعَايَةِ مَصَالِحِ الْمَالِ، وَعِنْدَ هَذَا سَقَطَ اسْتِدْلَالُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، بَلْ تَنْقَلِبُ هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ رِعَايَةَ مَصَالِحِ الْمَالِ شَرْطًا فِي جَوَازِ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الشَّرْطُ مَفْقُودًا بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 498
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست