responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 478
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أَيْ مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً [النَّحْلِ: 72] وَكَقَوْلِهِ: إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آلِ عِمْرَانَ: 164] وَقَوْلِهِ: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التَّوْبَةِ: 128] قَالَ الْقَاضِي:
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَى، لِكَيْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إِذْ لَوْ كَانَتْ حَوَّاءُ مَخْلُوقَةً ابْتِدَاءً لَكَانَ النَّاسُ مَخْلُوقِينَ مِنْ نَفْسَيْنِ، لَا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ كَلِمَةَ «مِنْ» لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، فَلَمَّا كَانَ ابْتِدَاءُ التَّخْلِيقِ وَالْإِيجَادِ وَقَعَ بِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَيْضًا فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ آدَمَ مِنَ التُّرَابِ كَانَ قَادِرًا أَيْضًا عَلَى خَلْقِ حَوَّاءَ مِنَ التُّرَابِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي خَلْقِهَا مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ آدَمُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهُ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَحْمَرِهَا وَأَسْوَدِهَا وَطَيِّبِهَا وَخَبِيثِهَا فَلِذَلِكَ كَانَ فِي وَلَدِهِ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالطَّيِّبُ وَالْخَبِيثُ وَالْمَرْأَةُ إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِحَوَّاءَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ فَكَانَتْ مَخْلُوقَةً مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ، فَلَا جَرَمَ سُمِّيَتْ بِحَوَّاءَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ جَمْعٌ مِنَ الطَّبَائِعِيِّينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: قَوْلُهُ تَعَالَى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مِنَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ، وَقَوْلُهُ: وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ فِي صِفَةِ آدَمَ: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آلِ عِمْرَانَ: 59] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ آدَمَ مَخْلُوقٌ مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ فِي حَقِّ الْخَلَائِقِ: مِنْها خَلَقْناكُمْ [طه: 55] وَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَادِثَ لَا يَحْدُثُ إِلَّا عَنْ مَادَّةٍ سَابِقَةٍ يَصِيرُ الشَّيْءُ مَخْلُوقًا مِنْهَا، وَأَنَّ خَلْقَ الشَّيْءِ عَنِ الْعَدَمِ الْمَحْضِ وَالنَّفْيِ الصِّرْفِ مُحَالٌ.
أَجَابَ الْمُتَكَلِّمُونَ فَقَالُوا: خَلْقُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ مُحَالٌ فِي الْعُقُولِ، لِأَنَّ هَذَا الْمَخْلُوقَ إِنْ كَانَ عَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَخْلُوقًا الْبَتَّةَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا امْتَنَعَ كَوْنُهُ مَخْلُوقًا مِنْ شَيْءٍ آخَرَ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ هَذَا الْمَخْلُوقَ مُغَايِرٌ لِلَّذِي كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ هَذَا الْمَخْلُوقُ وَهَذَا الْمُحْدَثُ إِنَّمَا حَدَثَ وَحَصَلَ عَنِ الْعَدَمِ الْمَحْضِ، فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مَخْلُوقًا مِنْ/ غَيْرِهِ مُحَالٌ فِي الْعُقُولِ، وَأَمَّا كَلِمَةُ (مِنْ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُوَ مُفِيدٌ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ ابْتِدَاءَ حُدُوثِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ لَا عَلَى وَجْهِ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ، بَلْ عَلَى وَجْهِ الْوُقُوعِ فَقَطْ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ صاحب «الكشاف» : قرئ وخالق منها زوجها وبث مِنْهُمَا بِلَفْظِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ محذوف تقديره هو خالق.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً.
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: بَثَّ مِنْهُمَا: يُرِيدُ فَرَّقَ وَنَشَرَ، قَالَ ابْنُ الْمُظَفَّرِ: الْبَثُّ تَفْرِيقُكَ الْأَشْيَاءَ، يُقَالُ: بَثَّ الْخَيْلَ فِي الْغَارَةِ وَبَثَّ الصَّيَّادُ كِلَابَهُ، وَخَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَبَثَّهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَبَثَثْتُ الْبُسُطَ إِذَا نَشَرْتُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الْغَاشِيَةِ: 16] قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ: أَبَثَّ اللَّهُ الْخَلْقَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَمْ يَقُلْ: وَبَثَّ مِنْهُمَا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهُمَا مَبْثُوثِينَ عَنْ نَفْسِهِمَا وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَلِهَذَا عَدَلَ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ إِلَى قَوْلِهِ: وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 478
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست