responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 476
فكان قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ عَامَّا فِي الْكُلِّ، وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ. خَاصًّا بِالْعَرَبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا الْمَطْلِعَ مَطْلِعًا لِسُورَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ: إِحْدَاهُمَا: هَذِهِ السُّورَةُ وَهِيَ السُّورَةُ الرَّابِعَةُ مِنَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ الْقُرْآنِ. وَالثَّانِيَةُ: سُورَةُ الْحَجِّ، وَهِيَ أَيْضًا السُّورَةُ الرَّابِعَةُ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَلَّلَ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَبْدَأِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ الْخَالِقِ وَكَمَالِ عِلْمِهِ وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَجَلَالِهِ، وَعَلَّلَ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ مَعْرِفَةِ الْمَعَادِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الْحَجِّ:
1] فَجَعَلَ صَدْرَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ دَلَالَةً عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَبْدَأِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعَادِ، ثُمَّ قَدَّمَ السُّورَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمَبْدَأِ عَلَى السُّورَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَادِ، وَتَحْتَ هَذَا الْبَحْثِ أَسْرَارٌ كَثِيرَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعلم أنه تعالى أمرنا بالتقوى وذكر عقبيه أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَنَا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَنَا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ هَذَا الْحُكْمِ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْوَصْفِ، فَنَقُولُ: قَوْلُنَا إِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَنَا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُشْتَمِلٌ عَلَى قَيْدَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَنَا، وَالثَّانِي: كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ التَّخْلِيقِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَنَا مِنْ نَفْسٍ/ وَاحِدَةٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ أَثَرٌ فِي وُجُوبِ التَّقْوَى.
أَمَّا الْقَيْدُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَنَا، فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى عِلَّةٌ لِأَنْ يَجِبَ عَلَيْنَا الِانْقِيَادُ لِتَكَالِيفِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخُضُوعُ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ خَالِقًا لَنَا وَمُوجِدًا لِذَوَاتِنَا وَصِفَاتِنَا فَنَحْنُ عَبِيدُهُ وَهُوَ مَوْلًى لَنَا، وَالرُّبُوبِيَّةُ تُوجِبُ نَفَاذَ أَوَامِرِهِ عَلَى عَبِيدِهِ، وَالْعُبُودِيَّةُ تُوجِبُ الِانْقِيَادَ لِلرَّبِّ وَالْمُوجِدِ وَالْخَالِقِ، الثَّانِي: أَنَّ الْإِيجَادَ غَايَةُ الْإِنْعَامِ وَنِهَايَةُ الْإِحْسَانِ، فَإِنَّكَ كُنْتَ مَعْدُومًا فَأَوْجَدَكَ، وَمَيِّتًا فَأَحْيَاكَ، وَعَاجِزًا فَأَقْدَرَكَ. وَجَاهِلًا فَعَلَّمَكَ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ [الشُّعَرَاءِ: 78، 79] فَلَمَّا كَانَتِ النِّعَمُ بِأَسْرِهَا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ النِّعَمَ بِإِظْهَارِ الْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ، وَتَرْكِ التَّمَرُّدِ وَالْعِنَادِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [الْبَقَرَةِ: 28] الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ كَوْنُهُ مُوجِدًا وَخَالِقًا وَإِلَهًا وَرَبًّا لَنَا وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَشْتَغِلَ بِعُبُودِيَّتِهِ وَأَنْ نَتَّقِيَ كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ عَنْهُ، وَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مُوجِبًا ثَوَابًا الْبَتَّةَ، لِأَنَّ هَذِهِ الطَّاعَاتِ لَمَّا وَجَبَتْ فِي مُقَابَلَةِ النِّعَمِ السَّالِفَةِ امْتَنَعَ أَنْ تَصِيرَ مُوجِبَةً لِلثَّوَابِ، لِأَنَّ أَدَاءَ الْحَقِّ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ لَا يُوجِبُ شَيْئًا آخَرَ، هَذَا إِذَا سَلَّمْنَا أَنَّ الْعَبْدَ أَتَى بِتِلْكَ الطَّاعَاتِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً، فَكَيْفَ وَهَذَا مُحَالٌ، لِأَنَّ فِعْلَ الطَّاعَاتِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا خَلَقَ اللَّهُ الْقُدْرَةَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَخَلَقَ الدَّاعِيَةَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَمَتَى حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ وَالدَّاعِي كَانَ مَجْمُوعُهُمَا مُوجِبًا لِصُدُورِ الطَّاعَةِ عَنِ الْعَبْدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ تِلْكَ الطَّاعَةُ إِنْعَامًا مِنَ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَالْمَوْلَى إِذَا خَصَّ عَبْدَهُ بِإِنْعَامٍ لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ الْإِنْعَامُ مُوجِبًا عَلَيْهِ إِنْعَامًا آخَرَ، فَهَذَا هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى بَيَانِ أَنَّ كَوْنَهُ خَالِقًا لَنَا يُوجِبُ عَلَيْنَا عُبُودِيَّتَهُ وَالِاحْتِرَازَ عَنْ مَنَاهِيهِ.
وَأَمَّا الْقَيْدُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ خُصُوصَ كَوْنِهِ خَالِقًا لَنَا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ يُوجِبُ عَلَيْنَا الطَّاعَةَ وَالِاحْتِرَازَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، فَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ خَلْقَ جَمِيعِ الْأَشْخَاصِ الْإِنْسَانِيَّةِ مِنَ الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ أَدَلُّ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالطَّبِيعَةِ وَالْخَاصِّيَّةِ لَكَانَ الْمُتَوَلَّدُ مِنَ الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ، لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَشْيَاءَ مُتَشَاكِلَةً فِي الصِّفَةِ مُتَشَابِهَةً فِي الْخِلْقَةِ وَالطَّبِيعَةِ، فَلَمَّا رَأَيْنَا فِي أَشْخَاصِ النَّاسِ الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ وَالْأَحْمَرَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 476
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست