responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 368
وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ النَّظْمِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْجَنَّةَ بِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلْمُتَّقِينَ بَيَّنَ أَنَّ الْمُتَّقِينَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِينَ أَقْبَلُوا عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، وَهُمُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَالْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ. وَثَانِيهُمَا: الَّذِينَ أَذْنَبُوا ثُمَّ تَابُوا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ كَالْفِرْقَةِ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا مُتَّقِيَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُذْنِبَ إِذَا تَابَ عَنِ الذَّنْبِ صَارَ حَالُهُ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَنْزِلَةِ وَالْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى نَدَبَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى إِلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ، وَنَدَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى الْإِحْسَانِ إِلَى النَّفْسِ، فَإِنَّ الْمُذْنِبَ الْعَاصِيَ إِذَا تَابَ كَانَتْ تِلْكَ التَّوْبَةُ إِحْسَانًا مِنْهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ، أَنْصَارِيٍّ وَثَقَفِيٍّ، وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ آخَى بَيْنَهُمَا، وَكَانَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي أَحْوَالِهِمَا، فَخَرَجَ الثَّقَفِيُّ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْعَةِ فِي السَّفَرِ، وَخَلَّفَ الْأَنْصَارِيَّ عَلَى أَهْلِهِ لِيَتَعَاهَدَهُمْ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ إِلَى امْرَأَتِهِ لِيُقَبِّلَهَا فَوَضَعَتْ كَفَّهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَنَدِمَ الرَّجُلُ، فَلَمَّا وَافَى الثَّقَفِيُّ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَ الْأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ قَدْ هَامَ فِي الْجِبَالِ لِلتَّوْبَةِ، فَلَمَّا عَرَفَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ الْمُؤْمِنُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَّا، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا أَصْبَحَتْ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ مَكْتُوبَةً عَلَى عَتَبَةِ دَارِهِ: اجْدَعْ أَنْفَكَ، افْعَلْ كَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ حَيْثُ جَعَلَ كَفَّارَةَ ذَنْبِهِمُ الِاسْتِغْفَارَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْفَاحِشَةُ هَاهُنَا نَعْتٌ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: فَعَلُوا فِعْلَةً فَاحِشَةً، وَذَكَرُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشَةِ وَبَيْنَ ظُلْمِ النَّفْسِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْفَاحِشَةُ مَا يَكُونُ فِعْلُهُ/ كَامِلًا فِي الْقُبْحِ، وَظُلْمُ النَّفْسِ: هُوَ أَيُّ ذَنْبٍ كَانَ مِمَّا يُؤَاخَذُ الْإِنْسَانُ بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَاحِشَةَ هِيَ الْكَبِيرَةُ، وَظُلْمُ النَّفْسِ. هِيَ الصَّغِيرَةُ، وَالصَّغِيرَةُ يَجِبُ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهَا، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا بِالِاسْتِغْفَارِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [مُحَمَّدٍ: 19] وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُهُ دَالًّا عَلَى الصَّغَائِرِ بَلْ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ. الثَّالِثُ: الْفَاحِشَةُ: هِيَ الزِّنَا، وَظُلْمُ النَّفْسِ: هِيَ الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسَةُ وَالنَّظْرَةُ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى الزِّنَا فَاحِشَةً، فَقَالَ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً [الْإِسْرَاءِ: 32] .
أَمَّا قَوْلُهُ: ذَكَرُوا اللَّهَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَعْنَى ذَكَرُوا وَعِيدَ اللَّهِ أَوْ عِقَابَهُ أَوْ جَلَالَهُ الْمُوجِبَ لِلْخَشْيَةِ وَالْحَيَاءِ مِنْهُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالذِّكْرُ هَاهُنَا هُوَ الَّذِي ضِدُّ النِّسْيَانِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ، وَمُقَاتِلٍ، وَالْوَاقِدِيِّ، فَإِنَّ الضَّحَّاكَ قَالَ: ذَكَرُوا الْعَرْضَ الْأَكْبَرَ عَلَى اللَّهِ، ومقاتل، والواقدي قال:
تَفَكَّرُوا أَنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ كَالْأَثَرِ، وَالنَّتِيجَةِ لِذَلِكَ الذِّكْرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الذِّكْرَ الَّذِي يُوجِبُ الِاسْتِغْفَارَ لَيْسَ إِلَّا ذِكْرَ عِقَابِ اللَّهِ، وَنَهْيِهِ وَوَعِيدِهِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف: 201]
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 368
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست