responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 265
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى (مَنْ) لِأَنَّ الْعَهْدَ مَصْدَرٌ فَيُضَافُ إِلَى الْمَفْعُولِ وَإِلَى الْفَاعِلِ وَهَاهُنَا سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: بِتَقْدِيرِ (أَنْ) يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْفَاعِلِ وَهُوَ (مَنْ) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَوْ وَفَّى أَهْلُ الْكِتَابِ بِعُهُودِهِمْ وَتَرَكُوا الْخِيَانَةَ، فَإِنَّهُمْ يَكْتَسِبُونَ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْجَوَابُ: الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ إِذَا أَوْفَوْا بِالْعُهُودِ أَوْفَوْا أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ بِالْعَهْدِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوِ اتَّقَوُا اللَّهَ فِي تَرْكِ الْخِيَانَةِ، لَاتَّقَوْهُ فِي تَرْكِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ، وَفِي تَرْكِ تَحْرِيفِ التَّوْرَاةِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: أَيْنَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ مِنَ الْجَزَاءِ إِلَى (مَنْ) ؟.
الْجَوَابُ: عُمُومُ الْمُتَّقِينَ قَامَ مَقَامَ رُجُوعِ الضَّمِيرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّاعَاتِ مَحْصُورَةٌ فِي أَمْرَيْنِ التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، فَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِمَا مَعًا، لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِمَنْفَعَةِ الْخَلْقِ، فَهُوَ شَفَقَةٌ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، كَانَ الْوَفَاءُ بِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْعِبَارَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، كَمَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ يُمْكِنُ أَيْضًا فِي حَقِّ النَّفْسِ لِأَنَّ الْوَافِيَ بِعَهْدِ النَّفْسِ هُوَ الْآتِي بِالطَّاعَاتِ وَالتَّارِكُ لِلْمُحَرَّمَاتِ، لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَفُوزُ النَّفْسُ بِالثَّوَابِ وَتَبْعُدُ عَنِ العقاب.

[سورة آل عمران (3) : آية 77]
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77)
اعْلَمْ أَنَّ فِي تَعَلُّقِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهًا الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْيَهُودَ بِالْخِيَانَةِ فِي/ أَمْوَالِ النَّاسِ، ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخِيَانَةَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ لَا تَتَمَشَّى إِلَّا بِالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ لَا جَرَمَ ذَكَرَ عَقِيبَ تِلْكَ الْآيَةِ هَذِهِ الْآيَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى وَعِيدِ مَنْ يُقْدِمُ عَلَى الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ الثَّانِي: أَنَّهُ تعالى لما حكى عنهم أنهم يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 75] وَلَا شَكَّ أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ لَا يَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَخُونَ فِي دِينِهِ، لَا جَرَمَ ذَكَرَ هَذَا الْوَعِيدَ عَقِيبَ ذَلِكَ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ خِيَانَتَهُمْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خِيَانَتَهُمْ فِي عَهْدِ اللَّهِ وَخِيَانَتَهُمْ فِي تَعْظِيمِ أَسْمَائِهِ حِينَ يَحْلِفُونَ بِهَا كَذِبًا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فِي الْمَنْعِ عَنِ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَالرِّوَايَاتِ الْكَثِيرَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ أَقْدَمُوا عَلَى الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ اعْتِقَادُ كَوْنِ هَذَا الْوَعِيدِ عَامًّا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِالْيَهُودِ.
وَفِي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اختلف الرِّوَايَاتُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ، فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِالْيَهُودِ الَّذِينَ شَرَحَ اللَّهُ أَحْوَالَهُمْ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِغَيْرِهِمْ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: قَالَ عِكْرِمَةُ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَحْبَارِ الْيَهُودِ، كَتَمُوا مَا عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 265
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست