responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 205
الرَّجِيمِ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا مِنَ الصَّالِحَاتِ الْقَانِتَاتِ، وَتَفْسِيرُ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
وَلَمَّا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَنَّةَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ قَالَ: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِنَّمَا قَالَ فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَلَمْ يَقُلْ: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِتَقَبُّلٍ لِأَنَّ الْقَبُولَ وَالتَّقَبُّلَ مُتَقَارِبَانِ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نُوحٍ: 17] أَيْ إِنْبَاتًا، وَالْقَبُولُ مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: قَبِلَ فُلَانٌ الشَّيْءَ قَبُولًا إِذَا رَضِيَهُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: خَمْسَةُ مَصَادِرَ جَاءَتْ عَلَى فَعُولٍ: قَبُولٌ وَطَهُورٌ وَوَضُوءٌ وَوَقُودٌ وَوَلُوغٌ، إِلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْوَقُودِ إِذَا كَانَ مَصْدَرًا الضَّمُّ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: قُبُولًا بِالضَّمِّ، وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ يُقَالُ: قَبِلْتُهُ قَبُولًا وَقُبُولًا، وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ اعْتِنَاءِ ذَلِكَ الْفَاعِلِ بِإِظْهَارِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَالتَّصَبُّرِ وَالتَّجَلُّدِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْجِدِّ فِي إِظْهَارِ الصَّبْرِ وَالْجَلَادَةِ، فَكَذَا هَاهُنَا التَّقَبُّلُ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي إِظْهَارِ الْقَبُولِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَقُلْ: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِتَقَبُّلٍ حَسَنٍ حَتَّى صَارَتِ الْمُبَالَغَةُ أَكْمَلَ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّ لَفْظَ التَّقَبُّلِ وَإِنْ أَفَادَ مَا ذَكَرْنَا إِلَّا أَنَّهُ يُفِيدُ نَوْعَ تَكَلُّفٍ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ، أَمَّا الْقَبُولُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مَعْنَى الْقَبُولِ عَلَى وَفْقِ الطَّبْعِ فَذَكَرَ التَّقَبُّلَ لِيُفِيدَ الْجِدَّ وَالْمُبَالَغَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَبُولَ لِيُفِيدَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ، بَلْ عَلَى وَفْقِ الطَّبْعِ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ وَإِنْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّهَا تَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعَارَةُ عَلَى حُصُولِ الْعِنَايَةِ الْعَظِيمَةِ فِي تَرْبِيَتِهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ مُنَاسِبٌ مَعْقُولٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ الْقَبُولِ الْحَسَنِ وُجُوهًا:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى عَصَمَهَا وَعَصَمَ وَلَدَهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ
رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا»
ثُمَّ قَالَ أَبُو هريرة: اقرؤا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ طَعَنَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْخَبَرِ وَقَالَ: إِنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ فَوَجَبَ رَدُّهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَدْعُو إِلَى الشر من يعرف الخير والشر والصبي وليس كَذَلِكَ وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّيْطَانَ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ هَذَا النَّخْسِ لَفَعَلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ إِهْلَاكِ الصَّالِحِينَ وَإِفْسَادِ أَحْوَالِهِمْ وَالثَّالِثُ: لِمَ خُصَّ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَرْيَمُ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ دُونَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الرَّابِعُ: أَنَّ ذَلِكَ النَّخْسَ لَوْ وُجِدَ بَقِيَ أَثَرُهُ، وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ لَدَامَ الصُّرَاخُ وَالْبُكَاءُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِمْنَا بُطْلَانَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ مُحْتَمَلَةٌ، وَبِأَمْثَالِهَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْخَبَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَقَبَّلَهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ، مَا
رُوِيَ أَنَّ حَنَّةَ حِينَ وَلَدَتْ مَرْيَمَ لَفَّتْهَا فِي خِرْقَةٍ وَحَمَلَتْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَوَضَعَتْهَا عِنْدَ الْأَحْبَارِ أَبْنَاءِ هَارُونَ، وَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَالْحَجَبَةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَتْ:
خُذُوا هَذِهِ النَّذِيرَةَ، فَتَنَافَسُوا فِيهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ إِمَامِهِمْ، وَكَانَتْ بَنُو مَاثَانَ رُؤُوسَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَحْبَارَهُمْ وَمُلُوكَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ زَكَرِيَّا: أَنَا أَحَقُّ بِهَا عِنْدِي خَالَتُهَا فَقَالُوا لَا حَتَّى نَقْتَرِعَ عَلَيْهَا، فَانْطَلَقُوا وَكَانُوا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ إِلَى نَهْرٍ فَأَلْقَوْا فِيهِ أَقْلَامَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ الْوَحْيَ بِهَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنِ ارْتَفَعَ قَلَمُهُ فَهُوَ الرَّاجِحُ، ثُمَّ أَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ يَرْتَفِعُ قَلَمُ زَكَرِيَّا فَوْقَ الْمَاءِ وَتَرْسُبُ أَقْلَامُهُمْ فأخذها زكريا.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 205
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست