responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 200
الْبَاصِرَةُ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوصًا بِكَمَالِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ووجهان الْأَوَّلُ:
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زُوِيَتْ لِيَ الْأَرْضُ فَأُرِيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا»
وَالثَّانِي:
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي»
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْقُوَّةِ مَا حَصَلَ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْأَنْعَامِ: 75] ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَوَّى بَصَرَهُ حَتَّى شَاهَدَ جَمِيعَ الْمَلَكُوتِ مِنَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ لِأَنَّ الْبُصَرَاءَ يَتَفَاوَتُونَ فَرُوِيَ أَنَّ زَرْقَاءَ الْيَمَامَةِ كَانَتْ تُبْصِرُ الشَّيْءَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَصَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَى مِنْ بَصَرِهَا وَثَانِيهَا: الْقُوَّةُ السَّامِعَةُ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم أقوى النأي فِي هَذِهِ الْقُوَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا:
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ لِلَّهِ تَعَالَى»
فَسَمِعَ أَطِيطَ السَّمَاءِ وَالثَّانِي:
أَنَّهُ سَمِعَ دَوِيًّا وَذَكَرَ أَنَّهُ هُوِيُّ صَخْرَةٍ قُذِفَتْ فِي جَهَنَّمَ فَلَمْ تَبْلُغْ قَعْرَهَا إِلَى الْآنِ،
قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَلَا سَبِيلَ لِلْفَلَاسِفَةِ إِلَى اسْتِبْعَادِ هَذَا، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ فِيثَاغُورْثَ رَاضَ نَفْسَهُ حَتَّى سَمِعَ خَفِيفَ الْفَلَكِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْقُوَّةِ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السلام في قصة النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ [النَّمْلِ: 18] فَاللَّهُ تَعَالَى أَسْمَعَ سُلَيْمَانَ كَلَامَ النَّمْلِ وَأَوْقَفَهُ عَلَى مَعْنَاهُ وَهَذَا دَاخِلٌ أَيْضًا فِي بَابِ تَقْوِيَةِ الْفَهْمِ، وَكَانَ ذَلِكَ حَاصِلًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَكَلَّمَ مَعَ الذِّئْبِ وَمَعَ الْبَعِيرِ ثَالِثُهَا: تَقْوِيَةُ قُوَّةِ الشَّمِّ، كَمَا فِي حَقِّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَمَرَ بِحَمْلِ قَمِيصِهِ إِلَيْهِ وَإِلْقَائِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ يَعْقُوبُ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ [يُوسُفَ: 94] فَأَحَسَّ بِهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَيَّامٍ وَرَابِعُهَا: تَقْوِيَةُ قُوَّةِ الذَّوْقِ، كَمَا فِي حَقِّ رَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
قَالَ: «إِنَّ هَذَا الذِّرَاعَ يُخْبِرُنِي أَنَّهُ مَسْمُومٌ»
وَخَامِسُهَا: تَقْوِيَةُ الْقُوَّةِ اللَّامِسَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْخَلِيلِ حَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُسْتَبْعَدُ هَذَا وَيُشَاهَدُ مِثْلُهُ فِي السَّمَنْدَلِ وَالنَّعَامَةِ، وَأَمَّا الْحَوَاسُّ الْبَاطِنَةُ فَمِنْهَا قُوَّةُ الْحِفْظِ، قَالَ تَعَالَى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الْأَعْلَى: 6] وَمِنْهَا قُوَّةُ الذَّكَاءِ
قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ وَاسْتَنْبَطْتُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفَ بَابٍ»
فَإِذَا كَانَ حَالُ الْوَلِيِّ هَكَذَا، فَكَيْفَ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا الْقُوَى الْمُحَرِّكَةُ: فَمِثْلُ عُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمِعْرَاجِ، وَعُرُوجِ عِيسَى حَيًّا/ إِلَى السَّمَاءِ، وَرَفْعِ إِدْرِيسَ وَإِلْيَاسَ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النَّمْلِ: 40] .
وَأَمَّا الْقُوَى الرُّوحَانِيَّةُ الْعَقْلِيَّةُ: فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ، وَنِهَايَةِ الصَّفَاءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَمَامَ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ النَّفْسَ الْقُدْسِيَّةَ النَّبَوِيَّةَ مُخَالِفَةٌ بِمَاهِيَّتِهَا لِسَائِرِ النُّفُوسِ، وَمِنْ لَوَازِمِ تِلْكَ النَّفْسِ الْكَمَالُ فِي الذَّكَاءِ، وَالْفِطْنَةِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالِاسْتِعْلَاءُ، وَالتَّرَفُّعُ عَنِ الْجِسْمَانِيَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، فَإِذَا كَانَتِ الرُّوحُ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ وَالشَّرَفِ، وَكَانَ الْبَدَنُ فِي غَايَةِ النقاء والطهارة كانت هذه القوى المحركة والمدركة فِي غَايَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى أَنْوَارٍ فَائِضَةٍ مِنْ جَوْهَرِ الرُّوحِ وَاصِلَةٌ إِلَى الْبَدَنِ، وَمَتَى كَانَ الْفَاعِلُ وَالْقَابِلُ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ كَانَتِ الْآثَارُ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالشَّرَفِ وَالصَّفَاءِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اصْطَفَى آدَمَ إِمَّا مِنْ سُكَّانِ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْمَلَكُ أَفْضَلُ مِنَ الْبَشَرِ، أَوْ مِنْ سُكَّانِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْبَشَرُ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقَاتِ، ثُمَّ وَضَعَ كَمَالَ الْقُوَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ فِي شُعْبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، هُمْ شِيثٌ وَأَوْلَادُهُ، إِلَى إِدْرِيسَ، ثُمَّ إِلَى نُوحٍ، ثُمَّ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ حَصَلَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ شُعْبَتَانِ: إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلَ مَبْدَأً
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 200
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست