responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 75
الْإِنْسَانَ فَيُجِنَّهُ، ثُمَّ سُمِّيَ الْجُنُونُ مَسًّا، كَمَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَتَخَبَّطُهُ وَيَطَؤُهُ بِرِجْلِهِ فَيُخَبِّلَهُ، فَسُمِّيَ الْجُنُونُ خَبْطَةً، فَالتَّخَبُّطُ بِالرِّجْلِ وَالْمَسُّ بِالْيَدِ، ثُمَّ فِيهِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: التَّخَبُّطُ تَفَعُّلٌ، فَكَيْفَ يكون متعديا؟.
الجواب: تفعل بمعنى فعل كثير، نَحْوُ تَقَسَّمَهُ بِمَعْنَى قَسَمَهُ، وَتَقَطَّعَهُ بِمَعْنَى قَطَعَهُ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: بِمَ تَعَلَّقَ قَوْلُهُ مِنَ الْمَسِّ.
قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: بِقَوْلِهِ لَا يَقُومُونَ وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَقُومُونَ مِنَ الْمَسِّ الَّذِي لَهُمْ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَقُومُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الْمُتَخَبِّطُ بِسَبَبِ الْمَسِّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْجُبَّائِيُّ: النَّاسُ يَقُولُونَ الْمَصْرُوعُ إِنَّمَا حَدَثَتْ بِهِ تِلْكَ الْحَالَةُ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَمَسُّهُ وَيَصْرَعُهُ وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ ضَعِيفٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى صَرْعِ النَّاسِ وَقَتْلِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الشَّيْطَانِ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إِبْرَاهِيمَ: 22] وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ قُدْرَةٌ عَلَى الصَّرْعِ وَالْقَتْلِ وَالْإِيذَاءِ وَالثَّانِي: الشَّيْطَانُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَثِيفُ الْجِسْمِ، أَوْ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنَ الْأَجْسَامِ اللَّطِيفَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَجَبَ أَنْ يُرَى وَيُشَاهَدَ، إِذْ لَوْ جَازَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ كَثِيفًا وَيَحْضُرَ ثُمَّ لَا يُرَى لَجَازَ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِنَا شُمُوسٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَجِبَالٌ وَنَحْنُ لَا نَرَاهَا، وَذَلِكَ جَهَالَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا كَثِيفًا فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَاطِنِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ جِسْمًا لَطِيفًا كَالْهَوَاءِ، فَمِثْلُ هَذَا يَمْتَنِعُ/ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَلَابَةٌ وَقُوَّةٌ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَصْرَعَ الْإِنْسَانَ وَيَقْتُلَهُ الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَصْرَعَ وَيَقْتُلَ لَصَحَّ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى الطَّعْنِ فِي النُّبُوَّةِ الرَّابِعُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ لَوْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلِمَ لَا يَصْرَعُ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِمَ لَا يَخْبِطُهُمْ مَعَ شِدَّةِ عَدَاوَتِهِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَلِمَ لَا يَغْصِبُ أَمْوَالَهُمْ، وَيُفْسِدُ أَحْوَالَهُمْ، وَيُفْشِي أَسْرَارَهُمْ، وَيُزِيلُ عُقُولَهُمْ؟ وَكُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَقْدِرُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: مَا رُوِيَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ فِي زَمَانِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَانُوا يَعْمَلُونَ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ عَلَى مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِي وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهُ تَعَالَى كَلَّفَهُمْ فِي زَمَنِ سُلَيْمَانَ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَدَرُوا عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ صَرِيحٌ فِي أَنْ يَتَخَبَّطَهُ الشَّيْطَانُ بِسَبَبِ مَسِّهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يَمَسُّهُ بِوَسْوَسَتِهِ الْمُؤْذِيَةِ الَّتِي يَحْدُثُ عِنْدَهَا الصَّرَعُ، وَهُوَ كَقَوْلِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [ص: 41] وَإِنَّمَا يَحْدُثُ الصَّرَعُ عِنْدَ تِلْكَ الْوَسْوَسَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ مِنْ ضَعْفِ الطِّبَاعِ، وَغَلَبَةِ السَّوْدَاءِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَخَافُ عِنْدَ الْوَسْوَسَةِ فَلَا يَجْتَرِئُ فَيُصْرَعَ عِنْدَ تِلْكَ الْوَسْوَسَةِ، كَمَا يُصْرَعُ الْجَبَانُ مِنَ الْمَوْضِعِ الْخَالِي، وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هَذَا الْخَبْطُ فِي الْفُضَلَاءِ الْكَامِلِينَ، وَأَهْلِ الْحَزْمِ وَالْعَقْلِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِيمَنْ بِهِ نَقْصٌ فِي الْمِزَاجِ وَخَلَلٌ فِي الدِّمَاغِ فَهَذَا جُمْلَةُ كَلَامِ الْجُبَّائِيِّ في هذا
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 75
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست