responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 53
جَانِبِ التَّرْكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّرْكُ أَوْ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا دَاخِلَيْنِ تَحْتَ الْأَمْرِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَالٍ يَكْتَسِبُهُ الْإِنْسَانُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَزَكَاةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَزَكَاةُ النَّعَمِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُكْتَسَبٌ، وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ظَاهِرٌ جِدًّا، إِلَّا أَنَّ مُخَالِفِيهِ خَصَّصُوا هَذَا الْعُمُومَ
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِي الْخُضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ»
وَأَيْضًا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إِخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ مَا أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ وَاجِبٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ إِلَّا أَنَّ مُخَالِفِيهِ خَصَّصُوا هَذَا الْعُمُومَ
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالطَّيِّبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الْجَيِّدُ مِنَ الْمَالِ دُونَ الرَّدِيءِ، فَأَطْلَقَ لَفْظَ الطَّيِّبِ عَلَى الْجَيِّدِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَالْمُرَادُ مِنَ الْخَبِيثِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الرَّدِيءُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ: أَنَّ الطَّيِّبَ هُوَ الْحَلَّالُ، وَالْخَبِيثَ هُوَ الْحَرَامُ حُجَّةُ الْأَوَّلِ وُجُوهٌ:
الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّا ذَكَرْنَا فِي سَبَبِ النُّزُولِ أَنَّهُمْ يَتَصَدَّقُونَ بِرَدِيءِ أَمْوَالِهِمْ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الطَّيِّبِ الْجَيِّدُ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ لَا بِإِغْمَاضٍ وَلَا بِغَيْرِ إِغْمَاضٍ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبِيثَ يَجُوزُ أَخْذُهُ بِالْإِغْمَاضِ قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْإِغْمَاضِ الْمُسَامَحَةُ وَتَرْكُ الِاسْتِقْصَاءِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ إِلَّا أَنْ تُرَخِّصُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَخْذَ الْحَرَامِ، وَلَا تُبَالُوا مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَخَذْتُمُ الْمَالَ، أَمِنْ حَلَالِهِ أَوْ مِنْ حَرَامِهِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَأَيِّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آلِ عِمْرَانَ:
92] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبَاتِ الْأَشْيَاءُ النَّفِيسَةُ الَّتِي يُسْتَطَابُ مِلْكُهَا، لَا الْأَشْيَاءُ الْخَسِيسَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ دَفْعُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَإِخْرَاجُهَا عَنْ بَيْتِهِ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي لِلْقَوْلِ الثَّانِي فَقَالَ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الطَّيِّبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِمَّا الْجَيِّدُ وَإِمَّا الْحَلَالُ، فَإِذَا بَطَلَ الْأَوَّلُ تَعَيَّنَ الثَّانِي، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ بَطَلَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَوْ كَانَ هُوَ الْجَيِّدَ لَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بِإِنْفَاقِ مُطْلَقِ الْجَيِّدِ سَوَاءٌ كَانَ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالْتِزَامُ التَّخْصِيصِ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ هُوَ الْجَيِّدَ بَلِ الْحَلَالَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ المراد من الطيب هاهنا مَا يَكُونُ طَيِّبًا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَيَكُونُ طَيِّبًا بِمَعْنَى الْحَلَالِ، وَيَكُونُ طَيِّبًا بِمَعْنَى الْجَوْدَةِ، وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَفْهُومَيْهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَلَالُ إِنَّمَا سُمِّيَ طَيِّبًا لِأَنَّهُ يَسْتَطِيبُهُ الْعَقْلُ وَالدِّينُ، وَالْجَيِّدُ إِنَّمَا يُسَمَّى طَيِّبًا لِأَنَّهُ يَسْتَطِيبُهُ الْمَيْلُ وَالشَّهْوَةُ، فَمَعْنَى الِاسْتِطَابَةِ مَفْهُومٌ وَاحِدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ، فَكَانَ اللَّفْظُ مَحْمُولًا عَلَيْهِ إِذَا أُثْبِتَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْجَيِّدُ الْحَلَالُ فَنَقُولُ: الْأَمْوَالُ الزَّكَاتِيَّةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 53
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست