responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 6  صفحه : 453
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي التَّكْرَارِ؟.
وَالْجَوَابُ: الْأَمْرُ لَا يُفِيدُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَوْقَاتِ، أَمَّا النَّهْيُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَوْقَاتِ، فَلَعَلَّهُ يُمْسِكُهَا بِمَعْرُوفٍ فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُضَارَّهَا فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً انْدَفَعَتِ الشُّبُهَاتُ وَزَالَتْ الِاحْتِمَالَاتُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْقَفَّالُ: الضِّرَارُ هُوَ الْمُضَارَّةُ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً [التَّوْبَةِ:
107] أَيِ اتَّخَذُوا الْمَسْجِدَ ضِرَارًا لِيُضَارُّوا الْمُؤْمِنِينَ، وَمَعْنَاهُ رَجَعَ إِلَى إِثَارَةِ الْعَدَاوَةِ وَإِزَالَةِ الْأُلْفَةِ وَإِيقَاعِ الْوَحْشَةِ، وَمُوجِبَاتِ النَّفْرَةِ، وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الضِّرَارِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: مَا
رُوِيَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَّلِقُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَدَعُهَا، فَإِذَا قَارَبَ انْقِضَاءُ الْقُرْءِ الثَّالِثِ رَاجَعَهَا، وَهَكَذَا يَفْعَلُ بِهَا حَتَّى تَبْقَى فِي الْعِدَّةِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ
وَالثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ الضِّرَارِ سُوءُ الْعِشْرَةِ وَالثَّالِثُ: تَضْيِيقُ النَّفَقَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ رَجَاءَ أَنْ تَخْتَلِعَ الْمَرْأَةُ مِنْهُ بِمَالِهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتَعْتَدُوا فَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ لَا تُضَارُّوهُنَّ فَتَكُونُوا مُعْتَدِينَ، يَعْنِي فَتَكُونُ عَاقِبَةُ أَمْرِكُمْ ذَلِكَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَصِ: 8] أَيْ فَكَانَ لَهُمْ وَهِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: لَا تُضَارُّوهُنَّ عَلَى قصد الاعتداء عليهن، فحينئذ تصيرون عصاة الله، وَتَكُونُونَ مُتَعَمِّدِينَ قَاصِدِينَ لِتِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: ظَلَمَ نَفْسَهُ بِتَعْرِيضِهَا لِعَذَابِ اللَّهِ وَثَانِيهَا: ظَلَمَ نَفْسَهُ بِأَنْ فَوَّتَ عَلَيْهَا مَنَافِعَ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، أَمَّا مَنَافِعُ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَهَرَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ الْقَبِيحَةِ لَا يَرْغَبُ فِي التَّزَوُّجِ بِهِ وَلَا مُعَامَلَتِهِ أَحَدٌ، وَأَمَّا مَنَافِعُ الدِّينِ فَالثَّوَابُ الْحَاصِلُ عَلَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَ الْأَهْلِ وَالثَّوَابُ الْحَاصِلُ عَلَى الِانْقِيَادِ لِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكَالِيفِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً فَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ نَسِيَ فَلَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ أَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ مَنْصِبَ مَنْ يُطِيعُ ذَلِكَ الْأَمْرَ، يُقَالُ فِيهِ إِنَّهُ اسْتَهْزَأَ بِهَذَا الْأَمْرِ وَيَلْعَبُ بِهِ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أُمِرَ بِأَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، ثُمَّ وَصَلَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ التَّكَالِيفُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي الْعِدَّةِ وَالرَّجْعَةِ وَالْخُلْعِ وَتَرْكِ الْمُضَارَّةِ فَلَا يَتَشَمَّرُ لِأَدَائِهَا، كَانَ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِهَا، وَهَذَا تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ لِلْعُصَاةِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَثَانِيهَا: الْمُرَادُ: وَلَا تَتَسَامَحُوا فِي تَكَالِيفِ اللَّهِ كَمَا يُتَسَامَحُ فِيمَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْهَزْلِ وَالْعَبَثِ وَالثَّالِثُ:
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَقُولُ: طَلَّقْتُ وَأَنَا لَاعِبٌ، وَيُعْتِقُ وَيَنْكِحُ، وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «مَنْ طَلَّقَ، أَوْ حَرَّرَ، أَوْ نَكَحَ، فَزَعَمَ أَنَّهُ لَاعِبٌ فَهُوَ جَدٌّ»
وَالرَّابِعُ: قَالَ عَطَاءٌ:
الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَغْفِرَ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا كَانَ مُصِرًّا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مِثْلِهِ، كَانَ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً تَهْدِيدٌ، وَالتَّهْدِيدُ إِذَا ذُكِرَ بَعْدَ ذِكْرِ التَّكَالِيفِ كَانَ ذَلِكَ التَّهْدِيدُ تَهْدِيدًا عَلَى تَرْكِهَا، لَا عَلَى شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِهَا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ/ تَعَالَى لَمَّا رَغَّبَهُمْ فِي أَدَاءِ التَّكَالِيفِ بِمَا ذَكَرَ مِنَ التَّهْدِيدِ، رَغَّبَهُمْ أَيْضًا فِي أَدَائِهَا بِأَنَّ ذَكَّرَهُمْ أَنْوَاعَ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، فَبَدَأَ أَوَّلًا بِذِكْرِهَا عَلَى سَبِيلِ الإجمال فقال:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 6  صفحه : 453
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست