responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 6  صفحه : 379
الْمَثَلُ الْأَعْلى
[النَّحْلِ: 60] أَيِ الصِّفَةُ الَّتِي لَهَا شَأْنٌ عَظِيمٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ: مَثَلُ مِحْنَةِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَقَوْلُهُ: مَسَّتْهُمُ بَيَانٌ لِلْمَثَلِ، وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ ذَلِكَ الْمَثَلُ؟ فَقَالَ: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا.
أَمَّا الْبَأْساءُ فَهُوَ اسْمٌ مِنَ الْبُؤْسِ بِمَعْنَى الشِّدَّةِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ وَمِنْهُ يُقَالُ فُلَانٌ فِي بُؤْسٍ وَشِدَّةٍ.
وَأَمَّا الضَّرَّاءُ فَالْأَقْرَبُ فِيهِ أَنَّهُ وُرُودُ الْمَضَارِّ عَلَيْهِ مِنَ الْآلَامِ وَالْأَوْجَاعِ وَضُرُوبِ الْخَوْفِ، وَعِنْدِي أَنَّ الْبَأْسَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ تَضْيِيقِ جِهَاتِ الْخَيْرِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ، وَالضَّرَّاءُ عِبَارَةٌ عَنِ انْفِتَاحِ جِهَاتِ الشَّرِّ وَالْآفَةِ وَالْأَلَمِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَزُلْزِلُوا أَيْ حُرِّكُوا بِأَنْوَاعِ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا قَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْلُ الزَّلْزَلَةِ فِي اللُّغَةِ مِنْ أَزَالَ الشَّيْءَ عَنْ مَكَانِهِ فَإِذَا قُلْتَ: زَلْزَلْتُهُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّكَ كَرَّرْتَ تِلْكَ الْإِزَالَةَ فَضُوعِفَ لَفْظُهُ بِمُضَاعَفَةِ مَعْنَاهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ تَكْرِيرٌ كُرِّرَتْ فِيهِ فَاءُ الْفِعْلِ، نَحْوُ صَرَّ، وَصَرْصَرَ، وَصَلَّ وَصَلْصَلَ، وَكَفَّ، وَكَفْكَفَ، وَأَقَلَّ الشَّيْءَ، أَيْ رَفَعَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، فإذا كرر قيل: قلقل، وفسر بعضهم زُلْزِلُوا هاهنا بِخُوِّفُوا، وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَائِفَ لَا يَسْتَقِرُّ بَلْ يَضْطَرِبُ قَلْبُهُ، وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الْخَوْفِ الْمُقِيمِ الْمُقْعِدِ، لِأَنَّهُ يُذْهِبُ السُّكُونَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ زلزلوا هاهنا مَجَازًا، وَالْمُرَادُ: خُوِّفُوا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا مُضْطَرِبِينَ لَا يَسْتَقِرُّونَ لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْخَوْفِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ذَكَرَ شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ الضُّرِّ/ وَالْبُؤْسِ وَالْمِحْنَةِ، فَقَالَ: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَكُونُونَ فِي غَايَةِ الثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ وَضَبْطِ النَّفْسِ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ صَبْرٌ حَتَّى ضَجُّوا، كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى فِي الشِّدَّةِ، فَلَمَّا بَلَغَتْ بِهِمُ الشِّدَّةُ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ الْعَظِيمَةِ قِيلَ لَهُمْ: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ إِجَابَةً لَهُمْ إِلَى طَلَبِهِمْ، فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ هَكَذَا: كَانَتْ حَالُهُمْ إِلَى أَنْ أَتَاهُمْ نَصْرُ اللَّهِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُمْ طُولُ الْبَلَاءِ عَنْ دِينِهِمْ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كُونُوا عَلَى ذَلِكَ وَتَحَمَّلُوا الْأَذَى وَالْمَشَقَّةَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، فَإِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ، لِأَنَّهُ آتٍ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ [الْعَنْكَبُوتِ: 1- 3] وَقَالَ: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آلِ عِمْرَانَ: 142] وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَنَالُهُمُ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، وَلَمَّا أُذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ نَالَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ وَذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ مَا لَا يَخْفَى، فَعَزَّاهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَ أَنَّ حَالَ مَنْ قَبْلَهُمْ فِي طَلَبِ الدِّينِ كَانَ كَذَلِكَ، وَالْمُصِيبَةُ إِذَا عَمَّتْ طَابَتْ، وَذَكَرَ اللَّهُ مِنْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِلْقَائِهِ فِي النَّارِ، وَمِنْ أَمْرِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِهِ، وَمِنْ أَمْرِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي مُصَابَرَتِهِمْ عَلَى أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ مَا صَارَ ذَلِكَ فِي سَلْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ.
رَوَى قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَلْقَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَانُوا يُعَذَّبُونَ بِأَنْوَاعِ الْبَلَاءِ فَلَمْ يَصْرِفْهُمْ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ الْمِنْشَارُ فَيُشُقُّ فِلْقَتَيْنِ، وَيُمَشَّطُ الرَّجُلُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ فِيمَا دُونَ الْعَظْمِ مِنْ لَحْمٍ وَعَصَبٍ وَمَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عن دينه، وأيم الله ليتمن هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» .
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 6  صفحه : 379
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست