responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 353
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ [الْبَقَرَةِ: 210] يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ مُعَانِدُونَ مُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ قَدْ أُزِيحَتْ عِلَلُهُمْ وَهُمْ لَا يُوقِفُونَ قَوْلَهُمْ بِهَذَا الدِّينِ الْحَقِّ إِلَّا عَلَى أُمُورٍ بَاطِلَةٍ مِثْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظِلٍّ مِنَ الْغَمَامِ والملائكة.
فإن قيل: الموصوف بِالشَّيْءِ يُقَالُ لَهُ: دُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ لَهُ: ادْخُلْ فِيهِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ هُوَ قَوْلُهُ:
ادْخُلُوا.
قُلْنَا إِنَّ الْكَائِنَ فِي الدَّارِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ خُرُوجًا عَنْهَا فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يُؤْمَرَ بِدُخُولِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَإِنْ كَانَ كَائِنًا فِيهَا فِي الْحَالِ، لِأَنَّ حَالَ كَوْنِهِ فِيهَا غَيْرُ الْحَالَةِ الَّتِي أُمِرَ أَنْ/ يَدْخُلَهَا، فَإِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي قَدْ يَخْرُجُ عَنْهَا صَحَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِدُخُولِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ يَخْرُجُونَ عَنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ بِالنَّوْمِ وَالسَّهْوِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَحْوَالِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْمُرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالدُّخُولِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي الْإِسْلَامِ وَخَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ السِّلْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ الصُّلْحُ وَتَرْكُ الْمُحَارَبَةِ وَالْمُنَازَعَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أَيْ كُونُوا مُوَافِقِينَ وَمُجْتَمِعِينَ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ وَاحْتِمَالِ الْبَلْوَى فِيهِ، وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ بِأَنْ يَحْمِلَكُمْ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا وَالْمُنَازَعَةِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال: 46] وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا [آلِ عِمْرَانَ: 200] وَقَالَ: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آلِ عِمْرَانَ: 103]
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمُؤْمِنُ يَرْضَى لِأَخِيهِ مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ»
وَهَذِهِ الْوُجُوهُ فِي التَّأْوِيلِ ذَكَرَهَا جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ وَعِنْدِي فِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ أحدها: أن قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَقَوْلَهُ: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُخَالَفَةٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى تَرْكُهَا بِالسِّلْمِ، أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ:
كُونُوا مُنْقَادِينَ لِلَّهِ فِي الْإِتْيَانِ بِالطَّاعَاتِ، وَتَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْإِيمَانَ بَاقٍ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِالْمَعَاصِي وَهَذَا تَأْوِيلٌ ظَاهِرٌ وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ السِّلْمِ كَوْنَ الْعَبْدِ رَاضِيًا وَلَمْ يَضْطَرِبْ قَلْبُهُ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ «الرِّضَا بِالْقَضَاءِ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ» وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَرْكَ الِانْتِقَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الْفُرْقَانِ: 72] وَفِي قَوْلِهِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الأعراف:
199] فهذا هو كلام فِي وُجُوهِ تَأْوِيلَاتِ هَذِهِ الْآيَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ الْقَفَّالُ كَافَّةً يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَأْمُورِينَ بِالدُّخُولِ أَيِ ادْخُلُوا بِأَجْمَعِكُمْ فِي السِّلْمِ. وَلَا تَفَرَّقُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا، قَالَ قُطْرُبٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ: رَأَيْتُ الْقَوْمَ كَافَّةً وَكَافِّينَ وَرَأَيْتُ النِّسْوَةَ كَافَّاتٍ وَيَصْلُحُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَيِ ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ كُلِّهِ أَيْ فِي كُلِّ شَرَائِعِهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا أَلْيَقُ بِظَاهِرِ التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْقِيَامِ بِهَا كُلِّهَا، وَمَعْنَى الْكَافَّةِ فِي اللُّغَةِ الْحَاجِزَةُ الْمَانِعَةُ يُقَالُ: كَفَفْتُ فَلَانًا عَنِ السُّوءِ أَيْ مَنَعْتُهُ، وَيُقَالُ: كَفَّ الْقَمِيصَ لِأَنَّهُ مَنَعَ الثَّوَابَ عَنِ الِانْتِشَارِ، وَقِيلَ لِطَرَفِ الْيَدِ: كَفٌّ لِأَنَّهُ يُكَفُّ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْبَدَنِ، وَرَجُلٌ مَكْفُوفٌ أَيْ كُفَّ بَصَرُهُ مِنْ أَنْ يُبْصِرَ، فَالْكَافَّةُ مَعْنَاهَا الْمَانِعَةُ، ثُمَّ صَارَتِ اسْمًا لِلْجُمْلَةِ الْجَامِعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ يَمْنَعُ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالشُّذُوذِ، فَقَوْلُهُ: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أَيِ ادْخُلُوا فِي شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ فَتَكُفُّوا مِنْ أَنْ تَتْرُكُوا شَيْئًا مِنْ شَرَائِعِهِ، أَوْ يَكُونَ الْمَعْنَى ادْخُلُوا كُلُّكُمْ حَتَّى تَمْنَعُوا وَاحِدًا مِنْ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 353
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست