responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 339
عَدَّ ذَكَرَهُ اللَّيْثُ وَابْنُ السِّكِّيتِ، وَالْحَسْبُ مَا عُدَّ وَمِنْهُ حَسَبَ الرَّجُلُ وَهُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ مَآثِرِهِ وَمَفَاخِرِهِ، وَالِاحْتِسَابُ الِاعْتِدَادُ بِالشَّيْءِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْحِسَابُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَسْبُكَ كَذَا أَيْ كَفَاكَ فَسُمِّيَ الْحِسَابُ فِي الْمُعَامَلَاتِ حِسَابًا لِأَنَّهُ يُعْلَمُ بِهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمِقْدَارِ وَلَا نُقْصَانٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى كَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَاسِبًا لِخَلْقِهِ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ مَعْنَى الْحِسَابِ أَنَّهُ تَعَالَى يُعْلِمُهُمْ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ الْعُلُومَ الضَّرُورِيَّةَ فِي قُلُوبِهِمْ بِمَقَادِيرِ أَعْمَالِهِمْ وَكِمِّيَّاتِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا، وَبِمَقَادِيرِ مَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، قَالُوا: وَوَجْهُ هَذَا الْمَجَازِ أَنَّ الْحِسَابَ سَبَبٌ لِحُصُولِ عِلْمِ الْإِنْسَانِ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، فَإِطْلَاقُ اسْمِ الْحِسَابِ عَلَى هَذَا الْإِعْلَامِ يَكُونُ إِطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَهَذَا مَجَازٌ مَشْهُورٌ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ لَا حِسَابَ عَلَى الْخَلْقِ بَلْ يَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُعْطُونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ فِيهَا سَيِّئَاتُهُمْ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ سَيِّئَاتُكُمْ قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْهَا ثُمَّ يُعْطَوْنَ حَسَنَاتِهِمْ وَيُقَالُ: هَذِهِ حَسَنَاتُكُمْ قَدْ ضَعَّفْتُهَا لَكُمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُحَاسَبَةَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُجَازَاةِ قَالَ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً [الطَّلَاقِ: 8] وَوَجْهُ الْمَجَازِ فِيهِ أَنَّ الْحِسَابَ سَبَبٌ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَإِطْلَاقُ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ جَائِزٌ، فَحَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْحِسَابِ عَنِ الْمُجَازَاةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى يُكَلِّمُ العباد في أحوال أعمالهم وكيفية مالها مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ/ فَمَنْ قَالَ إِنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا بِصَوْتٍ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ فِي أُذُنِ الْمُكَلَّفِ سَمْعًا يَسْمَعُ بِهِ كَلَامَهُ الْقَدِيمَ كَمَا أَنَّهُ يَخْلُقُ فِي عَيْنِهِ رُؤْيَةً يَرَى بِهَا ذَاتَهُ الْقَدِيمَةَ، وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ صَوْتٌ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ كَلَامًا يَسْمَعُهُ كُلُّ مُكَلَّفٍ إِمَّا بِأَنْ يَخْلُقَ ذَلِكَ الْكَلَامَ فِي أُذُنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ فِي جِسْمٍ يَقْرُبُ مِنْ أُذُنِهِ بِحَيْثُ لَا تَبْلُغُ قُوَّةُ ذَلِكَ الصَّوْتِ أَنْ تَمَنْعَ الْغَيْرَ مِنْ فَهْمِ مَا كُلِّفَ بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ تَعَالَى مُحَاسِبًا لِخَلْقِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ذَكَرُوا فِي مَعْنَى كَوْنِهِ تَعَالَى سَرِيعَ الْحِسَابِ وَجُوهًا أَحَدُهَا: أَنَّ مُحَاسَبَتَهُ تَرْجِعُ إِمَّا إِلَى أَنَّهُ يَخْلُقُ عُلُومًا ضَرُورِيَّةً فِي قَلْبِ كُلِّ مُكَلَّفٍ بِمَقَادِيرِ أَعْمَالِهِ وَمَقَادِيرِ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ، أَوْ إِلَى أَنَّهُ يُوصِلُ إِلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مَا هُوَ حَقُّهُ مِنَ الثَّوَابِ أَوْ إِلَى أَنَّهُ يَخْلُقُ سَمْعًا فِي أُذُنِ كُلِّ مُكَلَّفٍ يَسْمَعُ بِهِ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ، أَوْ إِلَى أَنَّهُ يَخْلُقُ فِي أُذُنِ كُلِّ مُكَلَّفٍ صَوْتًا دَالًّا عَلَى مَقَادِيرِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَعَلَى الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ كَوْنِهِ تَعَالَى مُحَاسِبًا إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ شَيْئًا، وَلَمَّا كَانَتْ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقَةً بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ تَخْلِيقُهُ وَإِحْدَاثُهُ عَلَى سَبْقِ مَادَّةٍ وَلَا مُدَّةٍ وَلَا آلَةٍ ولا يشتغله شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ لَا جَرَمَ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ جَمِيعَ الْخَلْقِ فِي أَقَلَّ مِنْ لَمْحَةِ الْبَصَرِ وَهَذَا كَلَامٌ ظَاهِرٌ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَاسِبُ الْخَلْقَ فِي قَدَرِ حَلْبِ نَاقَةٍ وَثَانِيهَا: أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهُ تَعَالَى: سَرِيعُ الْحِسابِ أَنَّهُ سَرِيعُ الْقَبُولِ لِدُعَاءِ عِبَادِهِ وَالْإِجَابَةِ لَهُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ يَسْأَلُهُ السَّائِلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَيُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مَطْلُوبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مَعَ وَاحِدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَطَالَ الْعَدُّ وَاتَّصَلَ الْحِسَابُ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ أَيْ هُوَ عَالِمٌ بِجُمْلَةِ سُؤَالَاتِ السَّائِلِينَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَحْتَاجُ إِلَى عَقْدِ يَدٍ، وَلَا إِلَى فِكْرَةٍ وَرَوِيَّةٍ، وَهَذَا مَعْنَى
الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ «يَا مَنْ لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ»
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ تَعَالَى سَرِيعُ الْحِسابِ كَوْنُهُ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ أَحْوَالِ الْخَلْقِ وَأَعْمَالِهِمْ وَوَجْهُ الْمَجَازِ فِيهِ أَنَّ الْمُحَاسَبَ إِنَّمَا
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 339
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست