responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 286
اتَّقَى مُخَالَفَةَ اللَّهِ وَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ سُنَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها فَهَذَا مَا قِيلَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي سَبَبِ النُّزُولِ، إِلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ صَعُبَ الْكَلَامُ فِي نَظْمِ الْآيَةِ، فَإِنَّ الْقَوْمَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي تَغْيِيرِ نُورِ الْقَمَرِ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ قَوْلُهُ: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ فَأَيُّ تَعَلُّقٍ بَيْنَ بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي اخْتِلَافِ نُورِ الْقَمَرِ، وَبَيْنَ هَذِهِ الْقِصَّةِ، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَجَابُوا عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَهِلَّةِ جَعْلُهَا مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ/ وَالْحَجِّ، وكان هذا الأمر من الأشياء التي اعتبروها فِي الْحَجِّ لَا جَرَمَ تَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا وَصَلَ قَوْلَهُ: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها بقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّفَقَ وُقُوعُ الْقِصَّتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَوَصَلَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ وَثَالِثُهَا: كَأَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنِ الْحِكْمَةِ فِي اخْتِلَافِ حَالِ الْأَهِلَّةِ فَقِيلَ لَهُمْ: اتْرُكُوا السُّؤَالَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَعْنِيكُمْ وَارْجِعُوا إِلَى مَا الْبَحْثُ عَنْهُ أَهَمُّ لَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ إِتْيَانَ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا بِرٌّ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ الْمَعْلُومَ هُوَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالْمَعْلُومِ عَلَى الْمَظْنُونِ، فَأَمَّا أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالْمَظْنُونِ عَلَى الْمَعْلُومِ فَذَاكَ عَكْسُ الْوَاجِبِ وَضِدُّ الْحَقِّ وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ أَنَّ لِلْعَالِمِ صَانِعًا مُخْتَارًا حَكِيمًا، وَثَبَتَ أَنَّ الْحَكِيمَ لَا يَفْعَلُ إِلَّا الصَّوَابَ الْبَرِيءَ عَنِ الْعَبَثِ وَالسَّفَهِ، وَمَتَى عَرَفْنَا ذَلِكَ، وَعَرَفْنَا أَنَّ اخْتِلَافَ أَحْوَالِ الْقَمَرِ فِي النُّورِ مِنْ فِعْلِهِ عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِ حِكْمَةً وَمَصْلَحَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِلْمَنَا بِهَذَا الْحَكِيمِ الَّذِي لَا يَفْعَلُ إِلَّا الْحِكْمَةَ يُفِيدُنَا الْقَطْعَ بِأَنَّ فِيهِ حِكْمَةً، لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَعْلُومِ عَلَى الْمَجْهُولِ، فَأَمَّا أَنْ يَسْتَدِلَّ بِعَدَمِ عِلْمِنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ بِالْحَكِيمِ، فَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَجْهُولِ عَلَى الْقَدْحِ فِي الْمَعْلُومِ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها يَعْنِي أَنَّكُمْ لَمَّا لَمْ تَعْلَمُوا حِكْمَتَهُ فِي اخْتِلَافِ نُورِ الْقَمَرِ صِرْتُمْ شَاكِّينَ فِي حِكْمَةِ الْخَالِقِ، فَقَدْ أَتَيْتُمُ الشَّيْءَ لَا مِنَ الْبِرِّ وَلَا مِنْ كَمَالِ الْعَقْلِ إِنَّمَا الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا فَتَسْتَدِلُّوا بِالْمَعْلُومِ الْمُتَيَقِّنِ وَهُوَ حِكْمَةُ خَالِقِهَا عَلَى هَذَا الْمَجْهُولِ فَتَقْطَعُوا بِأَنَّ فِيهِ حِكْمَةً بَالِغَةً، وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَهَا، فَجَعَلَ إِتْيَانَ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا كِنَايَةً عَنِ الْعُدُولِ عَنِ الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ، وَإِتْيَانَهَا مِنْ أَبْوَابِهَا كِنَايَةً عَنِ التَّمَسُّكِ بِالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهَذَا طَرِيقٌ مَشْهُورٌ فِي الْكِنَايَةِ فَإِنَّ مَنْ أَرْشَدَ غَيْرَهُ إِلَى الْوَجْهِ الصَّوَابِ يَقُولُ لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَأْتِيَ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ وَفِي ضِدِّهِ يُقَالُ: إِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ بَابِهِ قَالَ تَعَالَى: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ [آلِ عِمْرَانَ: 187] وَقَالَ:
وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ [هُودٍ: 92] فَلَمَّا كَانَ هَذَا طَرِيقًا مَشْهُورًا مُعْتَادًا فِي الْكِنَايَاتِ، ذَكَرَهُ اللَّهُ تعالى هاهنا، وَهَذَا تَأْوِيلُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ تَفْسِيرَهَا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَطْرُقُ إِلَى الْآيَةِ سُوءَ التَّرْتِيبِ وَكَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّهٌ عَنْهُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ، أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا كَانُوا يَعْلَمُونَهُ مِنَ النَّسِيءِ،
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست