responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 284
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً
[الْبَقَرَةِ: 234] وَرَابِعُهَا: النُّذُورُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَوْقَاتِ، وَلِفَضَائِلِ الصَّوْمِ فِي أَيَّامٍ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالْأَهِلَّةِ.
وَأَمَّا مَا يَتَّصِلُ مِنْهَا بِالدُّنْيَا فَهُوَ كَالْمُدَايَنَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْمَوَاعِيدِ وَلِمُدَّةِ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ كَمَا قَالَ وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الْأَحْقَافِ: 15] وَغَيْرِهَا فَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْهُلُ ضَبْطُ أَوْقَاتِهَا إِلَّا عِنْدَ وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي شَكْلِ الْقَمَرِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّا نَحْتَاجُ فِي تَقْدِيرِ الْأَزْمِنَةِ إِلَى حُصُولِ الشَّهْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بِالسَّنَةِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ دَوْرَةِ الشَّمْسِ وَبِإِجْرَائِهَا مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: كَلَّفَتْكُمْ بِالطَّاعَةِ الْفُلَانِيَّةِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، أَوْ فِي سُدُسِهَا، أَوْ نِصْفِهَا، وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَجْزَاءِ، وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بِالْأَيَّامِ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: كُلِّفْتُمْ بِالطَّاعَةِ الْفُلَانِيَّةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ وَبَعْدَ خَمْسِينَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ، وَأَيْضًا بِتَقْدِيرِ أَنْ يُسَاعِدَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ تَقْدِيرِ الزَّمَانِ بِالسَّنَةِ وَبِالْيَوْمِ تَقْدِيرُهُ بِالْقَمَرِ لَكِنَّ الشَّهْرَ عِبَارَةٌ عَنْ دَوْرَةٍ مِنِ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهَا مَرَّةً أُخْرَى هَذَا التَّقْدِيرُ حَاصِلٌ سَوَاءٌ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ فِي أَشْكَالِ نُورِهِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَقْدِيرَ السَّنَةِ بِحَرَكَةِ الشَّمْسِ وإن لم يحصل فِي نُورِ الشَّمْسِ اخْتِلَافًا، فَكَذَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الشَّمْسِ بِحَرَكَةِ الْقَمَرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي نُورِ الْقَمَرِ اخْتِلَافٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِنُورِ الْقَمَرِ مُخَالَفَةٌ بِحَالٍ وَلَا أَثَرٌ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيرُهُ بِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ: إِنَّ مَا ذَكَرْتُمْ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا إِلَّا أَنَّ إِحْصَاءَ الْأَهِلَّةِ أَيْسَرُ مِنْ إِحْصَاءِ الْأَيَّامِ لِأَنَّ الْأَهِلَّةَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَالْأَيَّامَ كَثِيرَةٌ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَقْسِيمَ جُمْلَةِ الزَّمَانِ إِلَى السِّنِينَ، ثُمَّ تَقْسِيمَ كُلِّ سَنَةٍ إِلَى الشُّهُورِ، ثُمَّ تَقْسِيمَ الشُّهُورِ إِلَى الْأَيَّامِ، ثُمَّ تَقْسِيمَ كُلِّ يَوْمٍ إِلَى السَّاعَاتِ، ثُمَّ تَقْسِيمَ كُلِّ سَاعَةٍ إِلَى الْأَنْفَاسِ أَقْرَبُ إِلَى الضَّبْطِ وَأَبْعَدُ عَنِ الْخَبْطِ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً [التَّوْبَةِ: 36] وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ الَّذِي يُرَاعِي حُسْنَ التَّرْتِيبِ يُقَسِّمُ تَصْنِيفَهُ إِلَى الْكُتُبِ، ثُمَّ كُلَّ كِتَابٍ إِلَى الْأَبْوَابِ، ثُمَّ كُلَّ بَابٍ إِلَى الْفُصُولِ ثُمَّ كُلَّ فَصْلٍ إِلَى المسائل فكذا هاهنا الْجَوَابُ عَنْهُ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: فَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْتُمْ، إِلَّا أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْقَمَرُ مُخْتَلِفَ الشَّكْلِ، كَانَ مَعْرِفَةُ أَوَائِلِ الشُّهُورِ وَأَنْصَافِهَا وَأَوَاخِرِهَا أَسْهَلَ مِمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَأَخْبَرَ جَلَّ جَلَالُهُ أَنَّهُ دَبَّرَ الْأَهِلَّةَ هَذَا التَّدْبِيرَ الْعَجِيبَ لِمَنَافِعِ عِبَادِهِ فِي قِوَامِ دُنْيَاهُمْ مَعَ مَا يَسْتَدِلُّونَ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ [آلِ عِمْرَانَ: 190] وَقَالَ تَعَالَى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً [الْفُرْقَانِ: 61] وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَقَعْ فِي جِرْمِ الْقَمَرِ هَذَا الِاخْتِلَافُ لَتَأَكَّدَتْ شُبَهُ الْفَلَاسِفَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَجْرَامَ الْفَلَكِيَّةَ لَا يُمْكِنُ تَطَرُّقُ التَّغْيِيرِ إِلَى أَحْوَالِهَا، فَهُوَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى بِحِكْمَتِهِ الْقَاهِرَةِ أَبْقَى الشَّمْسَ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَظْهَرَ الِاخْتِلَافَ فِي أَحْوَالِ الْقَمَرِ لِيَظْهَرَ لِلْعَاقِلِ أَنَّ بَقَاءَ الشَّمْسِ عَلَى أَحْوَالِهَا لَيْسَ إِلَّا بِإِبْقَاءِ اللَّهِ وَتَغَيُّرَ الْقَمَرِ فِي أَشْكَالِهِ لَيْسَ إِلَّا بِتَغْيِيرِ اللَّهِ فَيَصِيرُ الْكُلُّ بِهَذَا الطَّرِيقِ شَاهِدًا عَلَى افْتِقَارِهَا إِلَى مُدَبِّرٍ حَكِيمٍ قَادِرٍ قَاهِرٍ، كَمَا قَالَ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الْإِسْرَاءِ: 44] . إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَنَقُولُ: إِنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَحْوَالِ الْقَمَرِ مَعُونَةٌ عَظِيمَةٌ فِي تَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ مِنَ الْجِهَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا نَبَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ، لِأَنَّ تَعْدِيدَ جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ يَقْضِي إِلَى الْإِطْنَابِ وَالِاقْتِصَارَ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 284
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست