responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 206
يَقْبَلُ أَعْمَالَهُمْ كَمَا يَقْبَلُ أَعْمَالَ الْأَزْكِيَاءِ الثَّالِثُ: لَا يُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَ الْأَزْكِيَاءِ وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَعِيلَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ كَالسَّمِيعِ بِمَعْنَى السَّامِعِ وَالْعَلِيمَ بِمَعْنَى الْعَالِمِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالْجَرِيحِ وَالْقَتِيلِ بِمَعْنَى الْمَجْرُوحِ وَالْمَقْتُولِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُفْعِلِ كَالْبَصِيرِ بِمَعْنَى الْمُبْصِرِ وَالْأَلِيمِ بِمَعْنَى الْمُؤْلِمِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ عُلَمَاءَ الْأُصُولِ قَالُوا: الْعِقَابُ هُوَ الْمَضَرَّةُ الْخَالِصَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالْإِهَانَةِ فَقَوْلُهُ: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يُزَكِّيهِمْ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِهَانَةِ وَالِاسْتِخْفَافِ، وَقَوْلُهُ: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَضَرَّةِ وَقَدَّمَ الْإِهَانَةَ عَلَى الْمَضَرَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْإِهَانَةَ أَشَقُّ وَأَصْعَبُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْكِتْمَانِ لِكُلِّ عِلْمٍ فِي بَابِ الدِّينِ يَجِبُ إِظْهَارُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فَالْآيَةُ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ لَكِنَّهَا عَامَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ بَابِ الدِّينِ يَجِبُ إِظْهَارُهُ فَتَصْلُحُ لِأَنْ يَتَمَسَّكُ بِهَا الْقَاطِعُونَ بِوَعِيدِ أَصْحَابِ الكبائر والله اعلم.

[سورة البقرة (2) : آية 175]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ بِكِتْمَانِ الْحَقِّ وَعَظَّمَ فِي الْوَعِيدِ عَلَيْهِ، وَصَفَ ذَلِكَ الْجُرْمِ لِيُعْلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْعِقَابَ إِنَّمَا عَظُمَ لِهَذَا الْجُرْمِ الْعَظِيمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ إِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَأَحْسَنُ الْأَشْيَاءِ الِاهْتِدَاءُ وَالْعِلْمُ وَأَقْبَحُ الْأَشْيَاءِ الضَّلَالُ وَالْجَهْلُ فَلَمَّا تَرَكُوا الْهُدَى وَالْعِلْمَ فِي الدُّنْيَا، وَرَضُوا بِالضَّلَالِ وَالْجَهْلِ، فَلَا شَكَّ أنهم في نهاية الخيانة فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَأَحْسَنُ الْأَشْيَاءِ الْمَغْفِرَةُ، وَأَخْسَرُهَا الْعَذَابُ، فَلَمَّا تَرَكُوا الْمَغْفِرَةَ وَرَضُوا بِالْعَذَابِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ فِي نِهَايَةِ الْخَسَارَةِ فِي الْآخِرَةِ وَإِذَا كَانَتْ صِفَتُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، كَانُوا لَا مَحَالَةَ أَعْظَمَ النَّاسِ خَسَارًا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمُ اشْتَرَوُا الْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا عَالِمِينَ بِمَا هُوَ الْحَقُّ، وَكَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ فِي إِظْهَارِهِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ عَنْهُ أَعْظَمَ الثواب، وفي إخفائه وإلقائه الشُّبْهَةِ فِيهِ أَعْظَمَ الْعِقَابِ، فَلَمَّا أَقْدَمُوا عَلَى إِخْفَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ كَانُوا بَائِعِينَ لِلْمَغْفِرَةِ بِالْعَذَابِ لَا مَحَالَةَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ في هذه اللفظة قولان أَحَدُهُمَا: أَنَّ «مَا» فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْتِفْهَامُ التَّوْبِيخِ مَعْنَاهُ: مَا الَّذِي أَصْبَرَهُمْ وَأَيُّ شَيْءٍ صَبَّرَهَمْ عَلَى النَّارِ حَتَّى تَرَكُوا الْحَقَّ وَاتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَقَدْ يَكُونُ أَصْبَرَ بِمَعْنَى صَبَّرَ وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ أَفْعَلَ بِمَعْنَى فَعَّلَ نَحْوُ أَكْرَمَ وَكَرَّمَ، وَأَخْبَرَ وَخَبَّرَ الثَّانِي:
أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الرَّاضِيَ بِمُوجِبِ الشَّيْءِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِمَعْلُولِهِ وَلَازِمِهِ إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ اللُّزُومَ فَلَمَّا أَقْدَمُوا عَلَى مَا يُوجِبُ النَّارَ وَيَقْتَضِي عَذَابَ اللَّهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ صَارُوا كَالرَّاضِينَ بِعَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّابِرِينَ عَلَيْهِ، فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ وَهُوَ كَمَا تَقُولُ لِمَنْ يَتَعَرَّضُ لِمَا يُوجِبُ غَضَبَ السُّلْطَانِ مَا أَصْبَرَكَ عَلَى الْقَيْدِ وَالسِّجْنِ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ قَوْلِهِ: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ عَلَى حَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ/ ذَلِكَ وَصْفٌ لَهُمْ فِي حَالِ التَّكْلِيفِ، وَفِي حَالِ اشْتِرَائِهِمُ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَقَالَ الْأَصَمُّ:
الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ لهم اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: 108] فَهُمْ يَسْكُتُونَ وَيَصْبِرُونَ عَلَى النَّارِ لِلْيَأْسِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 206
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست