responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 193
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْأَشْيَاءَ، اسْتَثْنَى عَنْهَا حَالَ الضَّرُورَةِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَهَا سَبَبَانِ أَحَدُهُمَا: الْجُوعُ الشَّدِيدُ، وَأَنْ لَا يَجِدَ مَأْكُولًا حَلَالًا يَسُدُّ بِهِ الرَّمَقَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُضْطَرًّا الثَّانِي: إِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى تَنَاوُلِهِ مُكْرِهٌ، فَيَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الِاضْطِرَارَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ، حَتَّى يُقَالَ إِنَّهُ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فإذن لا بد هاهنا مِنْ إِضْمَارٍ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالتَّقْدِيرُ: فَمَنِ اضْطُرَّ فأكل فلا إثم عليه والحذف هاهنا كَالْحَذْفِ فِي قَوْلِهِ:
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [الْبَقَرَةِ: 184] أَيْ فَأَفْطَرَ فَحَذَفَ فَأَفْطَرَ وَقَوْلُهُ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ [الْبَقَرَةِ: 196] وَمَعْنَاهُ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ، وَإِنَّمَا جَازَ الْحَذْفُ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْحَذْفِ، وَلِدَلَالَةِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: غَيْرَ باغٍ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قال الفراء غَيْرَ هاهنا لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ، لِأَنَّ غير هاهنا بِمَعْنَى النَّفْيِ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهَا لَا لِأَنَّهَا في معنى: لا، وهي هاهنا حال للمضطر، كأنك قلت: فمن اضطر بَاغِيًا، وَلَا عَادِيًا فَهُوَ لَهُ حَلَالٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَصْلُ الْبَغْيِ فِي اللُّغَةِ الْفَسَادُ، وَتَجَاوُزُ الْحَدِّ قَالَ اللَّيْثُ: الْبَغْيُ فِي عَدْوِ الْفَرَسِ اخْتِيَالٌ وَمُرُوحٌ، وَأَنَّهُ يَبْغِي فِي عَدْوِهِ وَلَا يُقَالُ: فَرَسٌ بَاغٍ، وَالْبَغْيُ الظُّلْمُ وَالْخُرُوجُ عَنِ الْإِنْصَافِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشُّورَى: 39] وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: بَغَى الْجُرْحُ يَبْغِي بَغْيًا، إِذَا بَدَأَ بِالْفَسَادِ، وَبَغَتِ السَّمَاءُ، إِذَا كَثُرَ مَطَرُهَا حَتَّى تَجَاوَزَ الْحَدَّ، وَبَغَى الْجُرْحُ وَالْبَحْرُ وَالسَّحَابُ إِذَا طَغَى.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا عادٍ فَالْعَدْوُ هُوَ التَّعَدِّي فِي الْأُمُورِ، وَتَجَاوُزُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ، يُقَالُ عَدَا عَلَيْهِ عَدْوًا، وَعُدْوَانًا، وَاعْتِدَاءً وَتَعَدِّيًا، إِذَا ظَلَمَهُ ظُلْمًا مُجَاوِزًا لِلْحَدِّ، وَعَدَا طَوْرَهُ: جَاوَزَ قَدْرَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لِأَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ، غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ مُخْتَصًّا بِالْأَكْلِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ/ فَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: غَيْرَ باغٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجِدَ حَلَالًا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ، فَعَدَلَ إِلَى أَكْلِ الْحَرَامِ اللَّذِيذِ وَلا عادٍ أَيْ مُتَجَاوِزٍ قَدْرَ الرُّخْصَةِ الثَّانِي: غَيْرَ بَاغٍ لِلَذَّةِ أَيْ طَالِبٍ لَهَا، وَلَا عَادٍ مُتَجَاوِزِ سَدِّ الْجَوْعَةِ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالرَّبِيعِ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ زَيْدٍ الثَّالِثُ: غَيْرُ بَاغٍ عَلَى مُضْطَرٍّ آخَرَ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَلَا عَادٍ فِي سَدِّ الْجَوْعَةِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى غَيْرَ بَاغٍ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي السَّفَرِ مِنَ الْبَغْيِ، وَلَا عَادٍ بِالْمَعْصِيَةِ أَيْ مُجَاوِزٍ طَرِيقَةَ الْمُحِقِّينَ، وَالْكَلَامُ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ سَيَجِيءُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَمَّا قَوْلُهُ: فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فَفِيهِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَكْلَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَاجِبٌ وَقَوْلُهُ: فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ الثَّانِي: أَنَّ الْمُضْطَرَّ كَالْمُلْجَأِ إِلَى الْفِعْلِ وَالْمُلْجَأُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، قُلْنَا: قَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ قوله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [الْبَقَرَةِ: 158] أَنَّ نَفْيَ الْإِثْمِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ رَفْعُ الْحَرَجِ وَالضِّيقِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجَائِعَ إِنْ حَصَلَتْ فِيهِ شَهْوَةُ الْمَيْتَةِ، وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ النُّفْرَةُ الشَّدِيدَةُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُلْجَأً إِلَى تَنَاوُلِ مَا يَسُدُّ بِهِ الرَّمَقَ كَمَا يَصِيرُ مُلْجَأً إِلَى
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 193
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست