responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 50
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ فَأُمَتِّعُهُ بِسُكُونِ الْمِيمِ خَفِيفَةً مِنْ أَمْتَعْتُ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً مِنْ مَتَّعْتُ، وَالتَّشْدِيدُ يَدُلُّ على الكثير بِخِلَافِ التَّخْفِيفِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أُمَتِّعُهُ قِيلَ: بِالرِّزْقِ، وَقِيلَ: بِالْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: بِهِمَا إِلَى خُرُوجِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُخْرِجُهُ مِنْ هَذِهِ الدِّيَارِ إِنْ أَقَامَ عَلَى الْكُفْرِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ/ تَعَالَى كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّكَ وَإِنْ كُنْتَ خَصَصْتَ بِدُعَائِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي أُمَتِّعُ الْكَافِرَ مِنْهُمْ بِعَاجِلِ الدُّنْيَا، وَلَا أَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَتَفَضَّلُ بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَنْ يَتِمَّ عُمْرُهُ فَأَقْبِضَهُ ثُمَّ أَضْطَرَّهُ فِي الْآخِرَةِ إِلَى عَذَابِ النَّارِ، فَجَعَلَ مَا رُزِقَ الْكَافِرُ فِي دَارِ الدُّنْيَا قَلِيلًا، إِذْ كَانَ وَاقِعًا فِي مُدَّةِ عُمْرِهِ، وَهِيَ مُدَّةٌ وَاقِعَةٌ فِيمَا بَيْنَ الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا قَلِيلٌ جِدًّا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ نِعْمَةَ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا مَوْصُولَةٌ بِالنِّعْمَةِ فِي الْآخِرَةِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّ نِعْمَتَهُ فِي الدُّنْيَا تَنْقَطِعُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَتَتَخَلَّصُ مِنْهُ إِلَى الْآخِرَةِ، أَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ فَاعْلَمْ أَنَّ فِي الِاضْطِرَارِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يَتَعَذَّرُ عليه الخلاص منه وهاهنا كَذَلِكَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطُّورِ: 13] ويَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ [الْقَمَرِ: 48] يُقَالُ: اضْطَرَرْتُهُ إِلَى الْأَمْرِ أَيْ أَلْجَأْتُهُ وَحَمَلْتُهُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ كَارِهًا لَهُ، وَقَالُوا: إِنَّ أَصْلَهُ مِنَ الضُّرِّ وَهُوَ إِدْنَاءُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ ضَرَّةُ الْمَرْأَةِ لِدُنُوِّهَا وَقُرْبِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الِاضْطِرَارَ هُوَ أَنْ يَصِيرَ الْفَاعِلُ بِالتَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ إِلَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ اخْتِيَارًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ [البقرة: 173] [الأنعام: 145] [النحل: 115] فَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إِلَى تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَكْلُ فَعَلَهُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْجِئُهُ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ النَّارَ وَالِاسْتِقْرَارَ فِيهَا بِأَنْ أَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ لَوْ رَامَ التَّخَلُّصَ لَمُنِعَ مِنْهُ، لِأَنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ يَجْعَلُ مَلْجَأً إِلَى الْوُقُوعِ فِي النَّارِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ بِئْسَ الْمَصِيرُ، لِأَنَّ نِعْمَ الْمَصِيرُ مَا يُنَالُ فِيهِ النَّعِيمُ وَالسُّرُورُ، وبئس المصير ضده.

[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 129]
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَهُوَ أَنَّهُمَا عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ ذَكَرَا ثَلَاثَةً مِنَ الدعاء ثم هاهنا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: وَإِذْ يَرْفَعُ حِكَايَةُ حَالٍ مَاضِيَةٌ وَالْقَوَاعِدُ جَمْعُ قَاعِدَةٍ وَهِيَ الْأَسَاسُ، وَالْأَصْلُ لِمَا فَوْقَهُ، وَهِيَ صِفَةٌ غَالِبَةٌ، وَمَعْنَاهَا الثَّابِتَةُ، وَمِنْهُ أَقْعَدَكَ اللَّهُ أَيْ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُقْعِدَكَ أَيْ يُثَبِّتُكَ وَرَفَعَ الْأَسَاسَ الْبَنَّاءُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا إِذَا بُنِيَ عَلَيْهَا نُقِلَتْ عَنْ هَيْئَةِ الِانْخِفَاضِ إِلَى هَيْئَةِ الِارْتِفَاعِ وَتَطَاوَلَتْ بَعْدَ التَّقَاصُرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا سَافَاتِ الْبِنَاءِ لِأَنَّ كُلَّ سَافٍ قَاعِدَةٌ لِلَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ وَيُوضَعُ فَوْقَهُ، وَمَعْنَى رَفْعِ الْقَوَاعِدِ رَفْعُهَا بِالْبِنَاءِ لِأَنَّهُ إِذَا وَضَعَ سَافًا فَوْقَ سَافٍ فَقَدْ رَفَعَ السَّافَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست