responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 36
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ: الْمُرَادُ مِنَ الإمام هاهنا النَّبِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ:
لِلنَّاسِ إِماماً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ إِمَامًا لِكُلِّ النَّاسِ وَالَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُسْتَقِلًّا بِالشَّرْعِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَبَعًا لِرَسُولٍ آخَرَ لَكَانَ مَأْمُومًا لِذَلِكَ الرَّسُولِ لَا إِمَامًا لَهُ، فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الْعُمُومُ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِمَامٌ فِي كُلِّ شَيْءِ وَالَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ نَبِيًّا. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَئِمَّةٌ مِنْ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [الْأَنْبِيَاءِ: 73] وَالْخُلَفَاءُ أَيْضًا أَئِمَّةٌ لِأَنَّهُمْ رَتَّبُوا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُهُمْ وَقَبُولُ قَوْلِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ وَالْقُضَاةُ وَالْفُقَهَاءُ أَيْضًا أَئِمَّةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَالَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ يُسَمَّى أَيْضًا إِمَامًا لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ لَزِمَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ إِمَامًا لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَى إِمَامِكُمْ»
فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اسْمَ الْإِمَامِ لِمَنِ اسْتَحَقَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِي الدِّينِ وَقَدْ يُسَمَّى بِذَلِكَ أَيْضًا مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ فِي الْبَاطِلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [الْقَصَصِ: 41] إِلَّا أَنَّ اسْمَ الْإِمَامِ لَا يَتَنَاوَلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ إِلَّا مُقَيَّدًا، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ كَمَا أَنَّ اسْمَ الْإِلَهِ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الْمَعْبُودَ الْحَقَّ، فَأَمَّا الْمَعْبُودُ الْبَاطِلُ فَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِلَهِ مَعَ الْقَيْدِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [هُودٍ: 101] وَقَالَ:
وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً [طه: 97] إِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْإِمَامِ يَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَثَبَتَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْإِمَامَةِ وَجَبَ حمل اللفظ هاهنا عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ لَفْظَ الْإِمَامِ هاهنا فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ تِلْكَ النِّعْمَةُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ لِيَحْسُنَ نِسْبَةُ الِامْتِنَانِ فَوَجَبَ حَمْلُ هَذِهِ الْإِمَامَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا وَعَدَهُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ حَقَّقَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ الْوَعْدَ فِيهِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْأَدْيَانِ عَلَى شَدَّةِ اخْتِلَافِهَا وَنِهَايَةِ تَنَافِيهَا يُعَظِّمُونَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيَتَشَرَّفُونَ بِالِانْتِسَابِ إِلَيْهِ إِمَّا فِي النَّسَبِ وَإِمَّا فِي الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ حَتَّى إِنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ كَانُوا مُعَظِّمِينَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ/ حَنِيفاً [النحل: 123] وقال: مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [الْبَقَرَةِ: 130] وَقَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْحَجِّ: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الْحَجِّ: 78] وَجَمِيعُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُونَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَصِيرُ إِمَامًا إِلَّا بِالنَّصِّ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا صَارَ إِمَامًا بِسَبَبِ التَّنْصِيصِ عَلَى إِمَامَتِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [الْبَقَرَةِ: 30] فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ له منصب الخلافة إلا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ المراد بالإمامة هاهنا النُّبُوَّةُ ثُمَّ إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا مُطْلَقُ الْإِمَامَةِ لَكِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّصَّ طَرِيقُ الْإِمَامَةِ وَذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِيهِ، إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ هَلْ تَثْبُتُ الْإِمَامَةُ بِغَيْرِ النَّصِّ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَعَرُّضٌ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَعْصُومًا عَنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يُؤْتَمُّ بِهِ وَيُقْتَدَى، فَلَوْ صَدَرَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنْهُ لَوَجَبَ عَلَيْنَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي ذَلِكَ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْنَا فِعْلُ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَعْصِيَةً عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ فِعْلِهِ وَكَوْنَهُ وَاجِبًا عِبَارَةٌ عَنْ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 36
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست