responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 335
نَصْرُ اللَّهِ
نَظِيرُهُ: «زُوِيَتْ لِيَ الْأَرْضُ» يَعْنِي لَا تَذْهَبْ إِلَى الْأَرْضِ بَلْ تَجِيءُ الْأَرْضُ إِلَيْكَ، فَإِنْ سَئِمْتَ الْمُقَامَ وَأَرَدْتَ الرِّحْلَةَ، فَمِثْلُكَ لَا يَرْتَحِلُ إِلَّا إِلَى قَابِ قَوْسَيْنِ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الْإِسْرَاءِ: 1] بَلْ أَزِيدُ عَلَى هَذَا فَأُفَضِّلُ فُقَرَاءَ أُمَّتِكَ عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ ثُمَّ آمُرُ الْأَغْنِيَاءَ بِالضَّحَايَا لِيَتَّخِذُوهَا مَطَايَا فَإِذَا بَقِيَ الْفَقِيرُ مِنْ غَيْرِ مَطِيَّةٍ أَسُوقُ الْجَنَّةَ إِلَيْهِ: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشُّعَرَاءِ: 90] الْوَجْهُ الثَّالِثُ: كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الدُّنْيَا لَا يَصْفُو كَدَرُهَا وَلَا تَدُومُ مِحَنُهَا وَلَا نَعِيمُهَا فَرِحْتَ بِالْكَوْثَرِ فَتَحَمَّلْ مَشَقَّةَ سَفَاهَةِ السُّفَهَاءِ حَيْثُ قَالُوا: اعْبُدْ آلِهَتَنَا حَتَّى نَعْبُدَ إِلَهَكَ فَلَمَّا تَبَرَّأَ عَنْهُمْ وَضَاقَ قَلْبُهُ مِنْ جِهَتِهِمْ قَالَ: أَبْشِرْ فَقَدْ جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ فَلَمَّا اسْتَبْشَرَ قَالَ الرَّحِيلَ الرَّحِيلَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ بَعْدَ الْكَمَالِ مِنَ الزَّوَالِ، فَاسْتَغْفِرْهُ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ لَا تَحْزَنْ مِنْ جُوعِ الرَّبِيعِ فَعَقِيبَهُ غِنَى الْخَرِيفِ وَلَا تَفْرَحْ بِغِنَى الْخَرِيفِ فَعَقِيبَهُ وَحْشَةُ الشِّتَاءِ، فَكَذَا مَنْ تَمَّ إِقْبَالُهُ لَا يَبْقَى لَهُ إِلَّا الْغِيَرُ وَمِنْهُ:
إِذَا تَمَّ أَمْرٌ دَنَا نَقْصُهُ ... تَوَقَّعْ زَوَالًا إِذَا قِيلَ تَمَّ
إِلَهِي لِمَ فَعَلْتَ كَذَلِكَ قَالَ: حَتَّى لَا نَضَعَ قَلْبَكَ عَلَى الدُّنْيَا بَلْ تَكُونُ أَبَدًا عَلَى جَنَاحِ الِارْتِحَالِ وَالسَّفَرِ الْوَجْهُ الرَّابِعُ: لَمَّا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِلَهِي وَمَا جَزَائِي فَقَالَ:
نَصْرُ اللَّهِ فَيَقُولُ: وَمَا جَزَاءُ عَمِّي حِينَ دَعَانِي إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَقَالَ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [الْمَسَدِ: 1] فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ بَدَأَ بِالْوَعْدِ قَبْلَ الْوَعِيدِ، قُلْنَا: لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: لِأَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ وَالثَّانِي: لِيَكُونَ الْجِنْسُ مُتَّصِلًا بِالْجِنْسِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلِيَ دِينِ وَهُوَ النَّصْرُ كَقَوْلِهِ: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ [آلِ عِمْرَانَ: 106] ، وَثَالِثُهَا: الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ أَهَمُّ فِي الْكَرَمِ مِنَ الْوَفَاءِ بِالِانْتِقَامِ، فَتَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الْمُجَانَسَاتِ الْحَاصِلَةِ بَيْنَ هَذِهِ السُّوَرِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَتِلْكَ السُّورَةُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ لِيُعْلَمَ أَنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ السُّوَرِ مِنَ اللَّهِ وَبِأَمْرِهِ الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ فِي السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ بَلْ قَالَ: مَا أَعْبُدُ بِلَفْظٍ مَا، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ حَتَّى لَا يَسْتَخِفُّوا فَتَزْدَادَ عُقُوبَتُهُمْ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ ذَكَرَ أَعْظَمَ أَسَامِيهِ لِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ عَلَى الْأَحْبَابِ لِيَكُونَ ثَوَابُهُمْ بِقِرَاءَتِهِ أَعْظَمَ فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ لَا تَذْكُرِ اسْمِي مَعَ الْكَافِرِينَ حَتَّى لَا يُهِينُوهُ وَاذْكُرْهُ مَعَ الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى يُكْرِمُوهُ الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَالَ النَّحْوِيُّونَ: إِذا مَنْصُوبٌ بِسَبِّحْ، وَالتَّقْدِيرُ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ، كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: جَعَلْتُ الْوَقْتَ ظَرْفًا لِمَا تُرِيدُهُ وَهُوَ النَّصْرُ وَالْفَتْحُ وَالظَّفَرُ وَمَلَأْتُ ذَلِكَ الظَّرْفَ مِنْ هَذِهِ/ الْأَشْيَاءِ، وَبَعَثْتُهُ إِلَيْكَ فَلَا تردده عَلَيَّ فَارِغًا، بَلِ امْلَأْهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» فَكَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْلَأُ ظَرْفَ هَدِيَّتِكَ وَأَنَا فَقِيرٌ، فَيَقُولُ اللَّهُ فِي الْمَعْنَى: إِنْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا آخَرَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَلَمَّا فَعَلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَلِكَ حَصَلَ مَعْنَى تَهَادَوْا، لَا جَرَمَ حَصَلَتِ الْمَحَبَّةُ، فَلِهَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ حَبِيبَ اللَّهِ الْوَجْهُ السَّابِعُ:
كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِذَا جَاءَكَ النَّصْرُ وَالْفَتْحُ وَدُخُولُ النَّاسِ فِي دِينِكَ، فَاشْتَغِلْ أَنْتَ أَيْضًا بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ وَالِاسْتِغْفَارِ، فإني قلت: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7] فَيَصِيرُ اشْتِغَالُكَ بِهَذِهِ الطَّاعَاتِ سَبَبًا لِمَزِيدِ دَرَجَاتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا تَزَالُ تَكُونُ فِي الترقي حتى يصير الوعد بقولي: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ الْإِيمَانَ إِنَّمَا يَتِمُّ بِأَمْرَيْنِ: بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَبِالْبَرَاءَةِ وَالْوِلَايَةِ، فَالنَّفْيُ وَالْبَرَاءَةُ قَوْلُهُ: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَالْإِثْبَاتُ وَالْوِلَايَةُ قَوْلُهُ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ فَهَذِهِ هِيَ الْوُجُوهُ الْكُلِّيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَذِهِ السُّورَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ أَسْرَارًا، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ بَيَانُهَا فِي مَعْرِضِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 335
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست