responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 303
مَنْ وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ وَنَدِمَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النَّجْمِ: 32] سُمِّيَ ذَنْبُ الْمُؤْمِنِ لَمَمًا لِأَنَّهُ كَالطَّيْفِ وَالْخَيَالِ يَطْرَأُ وَلَا يَبْقَى، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ كَمَا يَفْرُغُ مِنَ الذَّنْبِ يَنْدَمُ، إِنَّمَا الْمُكَذِّبُ هُوَ الَّذِي يُصِرُّ عَلَى الذَّنْبِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَحُضُّ نَفْسَهُ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَإِضَافَةُ الطَّعَامِ إِلَى الْمِسْكِينِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ حَقُّ الْمِسْكِينِ، فَكَأَنَّهُ مَنَعَ الْمِسْكِينَ مِمَّا هُوَ حَقُّهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نِهَايَةِ بُخْلِهِ وَقَسَاوَةِ قَلْبِهِ وَخَسَاسَةِ طَبْعِهِ وَالثَّانِي: لَا يَحُضُّ غَيْرَهُ عَلَى إِطْعَامِ ذَلِكَ الْمِسْكِينِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ ثَوَابًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عِلْمَ التَّكْذِيبِ بِالْقِيَامَةِ الْإِقْدَامَ عَلَى إِيذَاءِ الضَّعِيفِ وَمَنْعَ الْمَعْرُوفِ، يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ آمَنَ بِالْجَزَاءِ وَأَيْقَنَ بِالْوَعِيدِ لَمَا صَدَرَ عَنْهُ ذَلِكَ، فَمَوْضِعُ الذَّنْبِ هو التكذيب بالقيامة، وهاهنا سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَلَيْسَ قَدْ لَا يَحُضُّ الْمَرْءُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ آثِمًا؟ الْجَوَابُ: لِأَنَّ غَيْرَهُ يَنُوبُ مَنَابَهُ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَوْ لِمَفْسَدَةٍ أُخْرَى يتوقعها، أما هاهنا فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ [إِلَّا] لِمَا أَنَّهُ مُكَذِّبٌ بِالدِّينِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ لَمْ يَقُلْ: وَلَا يُطْعِمُ الْمِسْكِينَ؟ وَالْجَوَابُ: إِذَا مَنَعَ الْيَتِيمَ حَقَّهُ فَكَيْفَ يُطْعِمُ الْمِسْكِينَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، بَلْ هُوَ بَخِيلٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ النِّهَايَةُ فِي الْخِسَّةِ، فَلِأَنْ يَكُونَ بَخِيلًا بِمَالِ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَضِدُّهُ فِي مَدْحِ المؤمنين: وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد: 17] وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 3] . ثم قال تعالى:

[سورة الماعون (107) : الآيات 4 الى 5]
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَيْفِيَّةِ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِيذَاءَ الْيَتِيمِ وَالْمَنْعَ مِنَ الْإِطْعَامِ دَلِيلًا عَلَى النِّفَاقِ فَالصَّلَاةُ لَا مَعَ الْخُضُوعِ وَالْخُضُوعُ أَوْلَى أَنْ تَدُلَّ عَلَى النِّفَاقِ، لِأَنَّ الْإِيذَاءَ وَالْمَنْعَ مِنَ النَّفْعِ مُعَامَلَةٌ مَعَ الْمَخْلُوقِ، أَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا خِدْمَةٌ لِلْخَالِقِ، وَثَانِيهَا: كَأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ إِيذَاءَ الْيَتِيمِ وَتَرْكَهُ لِلْحَضِّ كَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: أَلَيْسَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ؟ فَقَالَ لَهُ: الصَّلَاةُ كَيْفَ تَنْهَاهُ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ الْمُنْكَرِ وَهِيَ مَصْنُوعَةٌ مِنْ عَيْنِ الرِّيَاءِ/ وَالسَّهْوِ وَثَالِثُهَا: كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِقْدَامُهُ عَلَى إِيذَاءِ الْيَتِيمِ وَتَرْكُهُ لِلْحَضِّ، تَقْصِيرٌ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، وَسَهْوُهُ فِي الصَّلَاةِ تَقْصِيرٌ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ، فَلَمَّا وَقَعَ التَّقْصِيرُ فِي الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ كَمُلَتْ شَقَاوَتُهُ، فَلِهَذَا قَالَ: فَوَيْلٌ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْجَرِيمَةِ الشَّدِيدَةِ كَقَوْلِهِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [الْمُطَفِّفِينَ: 1] فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ [الْبَقَرَةِ: 79] وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الْهُمَزَةِ: 1]
وَيُرْوَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَنُوحُ فِي النَّارِ بِحَسَبِ جَرِيمَتِهِ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: وَيْلِي مِنْ حُبِّ الشَّرَفِ، وَآخَرُ يَقُولُ: وَيْلِي مِنَ الْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَآخَرُ يَقُولُ: وَيْلِي مِنْ صَلَاتِي،
فلهذا يستحب عند سماع مثل الْآيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمَرْءُ: وَيْلِي إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لِي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى حُصُولِ التَّهْدِيدِ الْعَظِيمِ بِفِعْلِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ أَحَدُهَا: السَّهْوُ عَنِ الصَّلَاةِ وَثَانِيهَا:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 303
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست