responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 270
الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ إِنَّمَا يُرَادُ كُلُّهُ لِلْبَدَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إِذَا تَأَلَّمَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْمَالَ وَالْجَاهَ فِدَاءً لَهُ.
وَأَمَّا السَّعَادَةُ الْبَدَنِيَّةُ فَالْفُضَلَاءُ مِنَ النَّاسِ إِنَّمَا يُرِيدُونَهَا لِلسَّعَادَةِ النَّفْسَانِيَّةِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحَ الْبَدَنِ لَمْ يَتَفَرَّغْ لِاكْتِسَابِ السَّعَادَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ الْبَاقِيَةِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْعَاقِلُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَعْيُهُ فِي تَقْدِيمِ الْأَهَمِّ عَلَى الْمُهِمِّ، فَالتَّفَاخُرُ بِالْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْأَعْوَانِ وَالْأَقْرِبَاءِ تَفَاخُرٌ بِأَخَسِّ الْمَرَاتِبِ مِنْ أَسْبَابِ السَّعَادَاتِ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ تَحْصِيلِ السَّعَادَةِ النَّفْسَانِيَّةِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ تَرْجِيحًا لِأَخَسِّ الْمَرَاتِبِ فِي السَّعَادَاتِ عَلَى أَشْرَفِ الْمَرَاتِبِ فِيهَا، وَذَلِكَ يَكُونُ عَكْسَ الْوَاجِبِ وَنَقِيضَ الْحَقِّ، فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّكَاثُرُ بِالْعَدَدِ وَبِالْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْأَقْرِبَاءِ وَالْأَنْصَارِ وَالْجَيْشِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ التَّكَاثُرُ بِكُلِّ مَا يَكُونُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: أَلْهاكُمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَنْهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ أَيْ أَأَلْهَاكُمْ، كَمَا قرئ أنذرتهم وأَ أَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: 6] ، وإِذا كُنَّا عِظاماً وأَ إِذا كُنَّا عِظاماً [الإسراء: 49] .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ التَّكَاثُرَ وَالتَّفَاخُرَ مَذْمُومٌ وَالْعَقْلُ دَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكَاثُرَ وَالتَّفَاخُرَ فِي السَّعَادَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ غَيْرُ مَذْمُومٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا
رُوِيَ مِنْ تَفَاخُرِ الْعَبَّاسِ بِأَنَّ السِّقَايَةَ بِيَدِهِ، وَتَفَاخُرِ شَيْبَةَ بِأَنَّ الْمِفْتَاحَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَأَنَا قَطَعْتُ خُرْطُومَ الْكُفْرِ بِسَيْفِي فَصَارَ الْكُفْرُ مُثْلَةً فَأَسْلَمْتُمْ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ [التَّوْبَةِ: 19] الْآيَةَ
وَذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضُّحَى: 11] أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْتَخِرَ بِطَاعَاتِهِ وَمَحَاسِنِ أَخْلَاقِهِ إِذَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ غَيْرَهُ يَقْتَدِي بِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ مُطْلَقَ التَّكَاثُرِ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ، بَلِ التَّكَاثُرُ فِي الْعِلْمِ وَالطَّاعَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ هُوَ الْمَحْمُودُ، وَهُوَ أَصْلُ الْخَيْرَاتِ، فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي التَّكَاثُرِ لَيْسَا لِلِاسْتِغْرَاقِ، بَلْ لِلْمَعْهُودِ السَّابِقِ، وَهُوَ التَّكَاثُرُ فِي الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا وَعَلَائِقِهَا، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعُبُودِيَّتِهِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُقَرَّرًا فِي الْعُقُولِ وَمُتَّفَقًا عَلَيْهِ فِي الْأَدْيَانِ، لَا جَرَمَ حَسُنَ إِدْخَالُ حَرْفِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ بِالْعَدَدِ.
رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَنِي سَهْمٍ وَبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَفَاخَرُوا أَيُّهُمْ أَكْثَرُ فَكَانَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَكْثَرَ فَقَالَ بَنُو سَهْمٍ عُدُّوا مَجْمُوعَ أَحْيَائِنَا وَأَمْوَاتِنَا مَعَ مَجْمُوعِ أَحْيَائِكُمْ وَأَمْوَاتِكُمْ، فَفَعَلُوا فَزَادَ بَنُو سَهْمٍ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُطَابِقَةٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ مَضَى فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يُعَجِّبُهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَيَقُولُ هَبْ أَنَّكُمْ أَكْثَرُ مِنْهُمْ عَدَدًا فَمَاذَا يَنْفَعُ، وَالزِّيَارَةُ إِتْيَانُ الْمَوْضِعِ، وَذَلِكَ يَكُونُ لِأَغْرَاضٍ كَثِيرَةٍ، وَأَهَمُّهَا وَأَوْلَاهَا بِالرِّعَايَةِ تَرْقِيقُ الْقَلْبِ وَإِزَالَةُ حُبِّ الدُّنْيَا/ فَإِنَّ مُشَاهَدَةَ الْقُبُورِ تُورِثُ ذَلِكَ عَلَى مَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً»
ثُمَّ إِنَّكُمْ زُرْتُمُ الْقُبُورَ بِسَبَبِ قَسَاوَةِ الْقَلْبِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي حُبِّ الدُّنْيَا فَلَمَّا انْعَكَسَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ، لَا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ التَّعْجِيبِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ التَّكَاثُرُ بِالْمَالِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَا
رَوَى مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ: أَلْهاكُمُ وَقَالَ ابْنُ آدَمَ: يَقُولُ مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ،
وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ أَيْ حَتَّى مُتُّمْ وَزِيَارَةُ الْقَبْرِ عِبَارَةٌ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 270
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست