responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 216
التَّأْوِيلُ فِي قَوْلِكَ قَبْلَ الْأَكْلِ بِسْمِ اللَّهِ وَكَذَا قَبْلَ كُلِّ فِعْلٍ مُبَاحٍ؟ قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ إِضَافَةٌ مَجَازِيَّةٌ كَمَا تُضِيفُ ضَيْعَتَكَ إِلَى بَعْضِ الْكِبَارِ لِتَدْفَعَ بِذَلِكَ ظُلْمَ الظَّلَمَةِ، كَذَا تُضِيفُ فِعْلَكَ إِلَى اللَّهِ لِيَقْطَعَ الشَّيْطَانُ طَمَعَهُ عَنْ مُشَارَكَتِكَ،
فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ شَارَكَهُ الشَّيْطَانُ فِي ذَلِكَ الطَّعَامِ
وَالثَّانِي: أَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَعَانَ بِذَلِكَ الْمُبَاحِ عَلَى التَّقْوَى عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَيَصِيرُ الْمُبَاحُ طَاعَةً فَيَصِحُّ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ فِيهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: رَبِّكَ فَفِيهِ سُؤَالَانِ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ أَنَّ الرَّبَّ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَاللَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّاتِ وَأَسْمَاءُ الذَّاتِ أَشْرَفُ مِنْ أَسْمَاءِ الْفِعْلِ، وَلِأَنَّا قَدْ دَلَّلْنَا بِالْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ عَلَى أَنَّ اسْمَ اللَّهِ أَشْرَفُ مِنَ اسْمِ الرب، ثم إنه تعالى قال هاهنا: بِاسْمِ رَبِّكَ وَلَمْ يَقُلْ: اقْرَأْ بِاسْمِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي التَّسْمِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْعِبَادَةِ، وَبِصِفَاتِ الذَّاتِ، وَهُوَ لَا يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْعِبَادَةَ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كَانَتْ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ عَلَى مَا كَانَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ فَزِعَ فَاسْتَمَالَهُ لِيَزُولَ الْفَزَعُ، فَقَالَ:
هُوَ الَّذِي رَبَّاكَ فَكَيْفَ يُفْزِعُكَ؟ فَأَفَادَ هَذَا الْحَرْفُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا: رَبَّيْتُكَ فَلَزِمَكَ الْقَضَاءُ فَلَا تَتَكَاسَلُ وَالثَّانِي: أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ لِلْإِتْمَامِ، وَقَدْ رَبَّيْتُكَ مُنْذُ كَذَا فَكَيْفَ أُضَيِّعُكَ؟ أَيْ حِينَ كُنْتَ عَلَقًا لَمْ أَدَعْ تَرْبِيَتَكَ فَبَعْدَ أَنْ صِرْتَ خَلْقًا نَفِيسًا مُوَحِّدًا عَارِفًا بِي كَيْفَ أُضَيِّعُكَ؟.
السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ أَضَافَ ذَاتَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: بِاسْمِ رَبِّكَ؟ الْجَوَابُ: تَارَةً يُضِيفُ ذَاتَهُ إِلَيْهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ كما هاهنا، وَتَارَةً يُضِيفُهُ إِلَى نَفْسِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ، أَسْرَى بِعَبْدِهِ، نَظِيرُهُ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ»
كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: هُوَ لِي وَأَنَا لَهُ، يُقَرِّرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النِّسَاءِ: 80] أَوْ نَقُولُ:
إِضَافَةُ ذَاتِهِ إِلَى عَبْدِهِ أَحْسَنُ مِنْ إِضَافَةِ الْعَبْدِ إِلَيْهِ، إِذْ قَدْ عُلِمَ فِي الشَّاهِدِ أَنَّ مَنْ لَهُ ابْنَانِ يَنْفَعُهُ أَكْبَرُهُمَا دُونَ الْأَصْغَرِ، يَقُولُ: هُوَ ابْنِي فَحَسْبُ لِمَا أَنَّهُ يَنَالُ مِنْهُ الْمَنْفَعَةَ، فَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى: الْمَنْفَعَةُ تَصِلُ مِنِّي إِلَيْكَ، وَلَمْ تَصِلْ مِنْكَ إِلَيَّ خِدْمَةٌ وَلَا طَاعَةٌ إِلَى الْآنَ، فَأَقُولُ: أَنَا لَكَ وَلَا أَقُولُ أَنْتَ لِي، ثُمَّ إِذَا أَتَيْتَ بِمَا طَلَبْتُهُ مِنْكَ مِنْ طَاعَةٍ أَوْ تَوْبَةٍ أَضَفْتُكَ إِلَى نَفْسِي فَقُلْتُ: أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا [الزُّمَرِ: 53] .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: لِمَ ذَكَرَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: رَبِّكَ قَوْلَهُ: الَّذِي خَلَقَ؟ الْجَوَابُ: كَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّكَ رَبِّي؟ فَيَقُولُ: لِأَنَّكَ كُنْتَ بِذَاتِكَ وَصِفَاتِكَ مَعْدُومًا ثُمَّ صِرْتَ مَوْجُودًا فَلَا بُدَّ لَكَ فِي ذَاتِكَ وَصِفَاتِكَ مِنْ خَالِقٍ، وَهَذَا الْخَلْقُ وَالْإِيجَادُ تَرْبِيَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنِّي رَبُّكَ وَأَنْتَ مربوبي.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: الَّذِي خَلَقَ لَا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ الْخَلْقُ وَاسْتَأْثَرَ بِهِ لَا خَالِقَ سِوَاهُ وَالثَّانِي: أَنْ يُقَدَّرَ لَهُ مَفْعُولٌ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَخْلُوقٍ، لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ، فَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْبَاقِي، كَقَوْلِنَا: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ تَخْصِيصٌ لِلْإِنْسَانِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ جُمْلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، إِمَّا لِأَنَّ التَّنْزِيلَ إِلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ مُبْهَمًا ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ تَفْخِيمًا لِخَلْقِ الْإِنْسَانِ وَدَلَالَةً عَلَى عَجِيبِ فِطْرَتِهِ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 216
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست