responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 114
[في قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ وَعِيدَ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ أَوَّلًا وَذَكَرَ وَعْدَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثَانِيًا أَرْدَفَ ذَلِكَ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ بِالتَّأْكِيدِ فَقَالَ لِتَأْكِيدِ الْوَعِيدِ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ وَالْبَطْشُ هُوَ الْأَخْذُ بِالْعُنْفِ فَإِذَا وُصِفَ بِالشِّدَّةِ فَقَدْ تَضَاعَفَ وَتَفَاقَمَ وَنَظِيرُهُ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هُودٍ: 102] ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْقَادِرَ لَا يَكُونُ إِمْهَالُهُ لِأَجْلِ الْإِهْمَالِ، لَكِنْ لِأَجْلِ أَنَّهُ حَكِيمٌ إِمَّا بِحُكْمِ الْمَشِيئَةِ أَوْ بِحُكْمِ الْمَصْلَحَةِ، وَتَأْخِيرُ هَذَا الْأَمْرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلِهَذَا قَالَ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ أَيْ إِنَّهُ يَخْلُقُ خَلْقَهُ ثُمَّ يُفْنِيهِمْ ثُمَّ يُعِيدُهُمْ أَحْيَاءً لِيُجَازِيَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ، فَذَلِكَ الْإِمْهَالُ لِهَذَا السَّبَبِ لَا لِأَجْلِ الْإِهْمَالِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَهْلَ جَهَنَّمَ تَأْكُلُهُمُ النَّارُ حَتَّى يَصِيرُوا فَحْمًا ثُمَّ يُعِيدُهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا، فَذَاكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ.
[في قوله تعالى وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ إلى قوله فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ] ثُمَّ قَالَ لِتَأْكِيدِ الْوَعْدِ: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ فَذَكَرَ مِنْ صِفَاتِ جَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ خَمْسَةً:
أَوَّلُهَا: الْغَفُورُ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ الْغَفُورُ لِمَنْ تَابَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّهُ غَفُورٌ مُطْلَقًا لِمَنْ تَابَ وَلِمَنْ لَمْ يَتُبْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاءِ: 48] وَلِأَنَّ غُفْرَانَ التَّائِبِ وَاجِبٌ وَأَدَاءَ الْوَاجِبِ لَا يُوجِبُ التَّمَدُّحَ وَالْآيَةُ مَذْكُورَةٌ فِي مَعْرِضِ التَّمَدُّحِ وَثَانِيهَا: الْوَدُودُ وَفِيهِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا:
الْمُحِبُّ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّ الْخَيْرَ مُقْتَضًى بِالذَّاتِ وَالشَّرَّ بِالْعَرَضِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّرُّ أَقَلَّ مِنَ الْخَيْرِ فَالْغَالِبُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ خَيْرًا فَيَكُونَ مَحْبُوبًا بِالذَّاتِ وَثَانِيهَا: قَالَ الْكَلْبِيُّ:
الْوَدُودُ هُوَ الْمُتَوَدِّدُ إِلَى أَوْلِيَائِهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْجَزَاءِ، وَالْقَوْلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَثَالِثُهَا: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَجُوزُ أن يكون ودود فعولا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَرَكُوبٍ وَحَلُوبٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ يَوَدُّونَهُ وَيُحِبُّونَهُ لِمَا عَرَفُوا مِنْ كَمَالِهِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، قَالَ: وَكِلْتَا الصِّفَتَيْنِ مَدْحٌ لِأَنَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ إِذَا أَحَبَّ عِبَادَهُ الْمُطِيعِينَ فَهُوَ فَضْلٌ مِنْهُ، وَإِنْ أَحَبَّهُ عِبَادُهُ الْعَارِفُونَ فَلِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ كَرِيمِ إِحْسَانِهِ. / وَرَابِعُهَا: قَالَ الْقَفَّالُ:
قِيلَ الْوَدُودُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْحَلِيمِ مِنْ قَوْلِهِمْ: دَابَّةٌ وَدُودٌ وَهِيَ الْمُطِيعَةُ الْقِيَادِ الَّتِي كَيْفَ عَطَفْتَهَا انْعَطَفَتْ وَأَنْشَدَ قُطْرُبٌ:
وَأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ خَيْفَانَةً ... ذَلُولَ الْقِيَادِ وَقَاحًا وَدُودًا
وَثَالِثُهَا: ذُو الْعَرْشِ، قَالَ الْقَفَّالُ: ذُو الْعَرْشِ أَيْ ذُو الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّرِيرِ، وَكَمَا يُقَالُ: ثُلَّ عَرْشُ فُلَانٍ إِذَا ذَهَبَ سُلْطَانُهُ، وَهَذَا مَعْنًى مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعَرْشِ السَّرِيرَ، وَيَكُونُ جَلَّ جَلَالُهُ خَلَقَ سَرِيرًا فِي سَمَائِهِ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالَةِ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ عَظَمَتَهُ إِلَّا هُوَ وَمَنْ يُطْلِعُهُ عَلَيْهِ وَرَابِعُهَا: الْمَجِيدُ، وَفِيهِ قِرَاءَتَانِ إِحْدَاهُمَا: الرَّفْعُ فَيَكُونُ ذلك صفة الله سُبْحَانَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ لِأَنَّ الْمَجْدَ مِنْ صِفَاتِ التَّعَالِي وَالْجَلَالِ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْفَصْلُ وَالِاعْتِرَاضُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ فِي هَذَا النَّحْوِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَالْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ: بِالْخَفْضِ وَهِيَ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ صِفَةَ الْعَرْشِ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: الْقُرْآنُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَصْفُ غَيْرِ اللَّهِ بِالْمَجِيدِ حَيْثُ قَالَ: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ [البروج: 21] وَرَأَيْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْعَرْشَ بِأَنَّهُ كَرِيمٌ فَلَا يَبْعُدُ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 114
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست