responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 112
وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ شُهُودٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ يُؤَدُّونَ شَهَادَتَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [النُّورِ: 24] ، وَثَالِثُهَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ مُشَاهِدُونَ لِمَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكَانُوا شُهُودًا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَعَ هَذَا لَمْ تَأْخُذْهُمْ بِهِمْ رَأْفَةٌ، وَلَا حصل في قلوبهم ميل ولا شفقة.

[سورة البروج (85) : الآيات 8 الى 9]
وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)
الْمَعْنَى وَمَا عَابُوا مِنْهُمْ وَمَا أَنْكَرُوا الْإِيمَانَ، كَقَوْلِهِ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ [الْمَائِدَةِ: 59] وَإِنَّمَا قَالَ: إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا لِأَنَّ التَّعْذِيبَ إِنَّمَا كَانَ وَاقِعًا عَلَى الْإِيمَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ كَفَرُوا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يُعَذَّبُوا عَلَى مَا مَضَى، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِلَّا أَنْ يَدُومُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ: نَقَمُوا بِالْكَسْرِ، وَالْفَصِيحُ هُوَ الْفَتْحُ، ثُمَّ إِنَّهُ ذَكَرَ الْأَوْصَافَ الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الْإِلَهُ أَنْ يُؤْمَنَ بِهِ وَيُعْبَدَ فَأَوَّلُهَا: الْعَزِيزُ وَهُوَ الْقَادِرُ الَّذِي لَا يُغْلَبُ، وَالْقَاهِرُ الَّذِي لَا يُدْفَعُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَثَانِيهَا: الْحَمِيدُ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ عَلَى أَلْسِنَةِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ لَا يَحْمَدُهُ بِلِسَانِهِ فَنَفْسُهُ شَاهِدَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَحْمُودَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ هُوَ، كَمَا قَالَ:
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الْإِسْرَاءِ: 44] وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْعِلْمِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِعَوَاقِبِ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ الْأَفْعَالَ الْحَمِيدَةَ، فَالْحَمِيدُ يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ التَّامِّ مِنْ هذا الوجه وثالثها: الذي له ملك السموات وَالْأَرْضِ وَهُوَ مَالِكُهَا وَالْقَيِّمُ بِهِمَا وَلَوْ شَاءَ لَأَفْنَاهُمَا، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُلْكِ التَّامِّ وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذِهِ الصِّفَةَ عَنِ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ الْمُلْكَ التَّامَّ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ الْكَمَالِ فِي الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ، فَثَبَتَ أَنَّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَغَيْرُهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْبَتَّةَ، فَكَيْفَ حكم أولئك الكفار الجهال يكون مِثْلِ هَذَا الْإِيمَانِ ذَنْبًا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَشَارَ بِقَوْلِهِ: الْعَزِيزِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمَنَعَ أُولَئِكَ الْجَبَابِرَةَ مِنْ تَعْذِيبِ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَأَطْفَأَ نِيرَانَهُمْ وَلَأَمَاتَهُمْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: الْحَمِيدِ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ عَوَاقِبُهَا فَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَمْهَلَ لَكِنَّهُ مَا أَهْمَلَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يُوصِلُ ثَوَابَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِمْ، وَعِقَابَ أُولَئِكَ الْكَفَرَةِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى لم يعاجلهم بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ إِلَّا عَلَى حَسَبِ الْمَشِيئَةِ أَوِ الْمَصْلَحَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فَهُوَ وَعْدٌ عَظِيمٌ لِلْمُطِيعِينَ وَوَعِيدٌ شَدِيدٌ لِلْمُجْرِمِينَ.

[سورة البروج (85) : آية 10]
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10)
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَرَ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، أَتْبَعَهَا بِمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مِنْ أَحْكَامِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فَقَالَ:
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَهَاهُنَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَصْحَابَ الْأُخْدُودِ فَقَطْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كُلَّ مَنْ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 112
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست