responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 766
سَبِيلِ الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الذِّكْرَ حَصَلَ عِنْدَ حُدُوثِ هَذِهِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ بَعْضَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسَةِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ جَمِيعِهَا عَلَى الْقُرْآنِ، فَقَوْلُهُ: وَالْمُرْسَلاتِ الْمُرَادُ مِنْهَا الْآيَاتُ الْمُتَتَابِعَةُ الْمُرْسَلَةُ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: عُرْفاً أَيْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ بِكُلِّ عُرْفٍ وَخَيْرٍ وَكَيْفَ لَا وَهِيَ الْهَادِيَةُ إِلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ والموصلة إلى مجامع الخيرات وفَالْعاصِفاتِ عَصْفاً فَالْمُرَادُ أَنَّ دَوْلَةَ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ كَانَتْ ضَعِيفَةً فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ عَظُمَتْ وَقَهَرَتْ سَائِرَ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ، فَكَأَنَّ دَوْلَةَ الْقُرْآنِ عَصَفَتْ بِسَائِرِ الدُّوَلِ وَالْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ وَقَهَرَتْهَا، وَجَعَلَتْهَا بَاطِلَةً دَائِرَةً، وَقَوْلُهُ: وَالنَّاشِراتِ نَشْراً الْمُرَادُ أَنَّ آيَاتِ الْقُرْآنِ نَشَرَتْ آثَارَ الْحِكْمَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي قُلُوبِ الْعَالَمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَقَوْلُهُ: فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَذَلِكَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ آيَاتِ الْقُرْآنِ هِيَ الَّتِي تَفْرِقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَلِذَلِكَ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ فُرْقَانًا، وَقَوْلُهُ: فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً فَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ ذِكْرٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص: 1] وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزُّخْرُفِ: 44] وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ، [الأنبياء: 50] وتذكرة كَمَا قَالَ: وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [الْحَاقَّةِ: 48] وَذِكْرَى كَمَا قَالَ: ذِكْرى لِلْعالَمِينَ [الْأَنْعَامِ: 90] فَظَهَرَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسَةِ بِالْقُرْآنِ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ فَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: يُمْكِنُ حَمْلُهَا أَيْضًا عَلَى بَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً هُمُ الْأَشْخَاصُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا بِالْوَحْيِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَمَعْرُوفٍ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ وَمَعْرُوفٍ فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً مَعْنَاهُ أَنَّ أَمْرَ كُلِّ رَسُولٍ يَكُونُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حَقِيرًا ضَعِيفًا، ثُمَّ يَشْتَدُّ وَيَعْظُمُ وَيَصِيرُ فِي الْقُوَّةِ كَعَصْفِ الرِّيَاحِ وَالنَّاشِراتِ نَشْراً الْمُرَادُ مِنْهُ انْتِشَارُ دِينِهِمْ وَمَذْهَبِهِمْ وَمَقَالَتِهِمْ فَالْفارِقاتِ فَرْقاً الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَفْرِقُونَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْإِلْحَادِ فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ الْخَلْقَ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَيَأْمُرُونَهُمْ بِهِ وَيَحُثُّونَهُمْ عَلَيْهِ.
الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ مُشْتَغِلًا بِمَصَالِحِ الدُّنْيَا مُسْتَغْرِقًا فِي طَلَبِ لَذَّاتِهَا وَرَاحَاتِهَا، فَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ يَرِدُ فِي قَلْبِهِ دَاعِيَةُ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا وَالرَّغْبَةِ فِي خِدْمَةِ الْمَوْلَى، فَتِلْكَ الدَّوَاعِي هِيَ الْمُرْسَلَاتُ عُرْفًا، ثُمَّ هَذِهِ الْمُرْسَلَاتُ لَهَا أَثَرَانِ أَحَدُهُمَا: إِزَالَةُ حُبِّ/ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْقَلْبِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالثَّانِي: ظُهُورُ أَثَرِ تِلْكَ الدَّاعِيَةِ فِي جَمِيعِ الْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا يُبْصِرَ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا يَنْظُرَ إِلَّا اللَّهَ، فَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ: وَالنَّاشِراتِ نَشْراً ثُمَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَنْكَشِفُ لَهُ نُورُ جَلَالِ اللَّهِ فَيَرَاهُ مَوْجُودًا، وَيَرَى كُلَّ مَا سِوَاهُ مَعْدُومًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَالْفارِقاتِ فَرْقاً ثُمَّ يَصِيرُ الْعَبْدُ كَالْمُشْتَهِرِ فِي مَحَبَّتِهِ، وَلَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ إِلَّا ذِكْرُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَذْكُورَةٍ إِلَّا أَنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ جِدًّا. وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي:
وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ شَيْئًا وَاحِدًا، فَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَهُوَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ هِيَ الرِّيَاحُ، فَقَوْلُهُ: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً هِيَ الرِّيَاحُ التي تتصل على العرف المعتاد وفَالْعاصِفاتِ مَا يَشْتَدُّ مِنْهُ، وَالنَّاشِراتِ مَا يَنْشُرُ السَّحَابَ. أَمَّا قَوْلُهُ: فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْحَلَّالِ وَالْحَرَامِ، بِمَا يَتَحَمَّلُونَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 766
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست