responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 683
الْوَاجِبَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ فَمَنْ قَرَأَ نِصْفِهِ وَثُلُثِهِ بِالْخَفْضِ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّكَ تَقُومُ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثَيْنِ، وَأَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ، وَأَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ وَاجِبًا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ، قُلْنَا: إِنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّرُونَ الثُّلُثَ بِالِاجْتِهَادِ، فَرُبَّمَا أخطئوا فِي ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ وَنَقَصُوا مِنْهُ شَيْئًا قَلِيلًا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَدْنَى مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْمَعْلُومِ بِتَحْدِيدِ الْأَجْزَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى لَهُمْ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [الْمُزَّمِّلِ: 20] ، الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: نِصْفَهُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: قَلِيلًا وَهَذَا التَّفْسِيرُ جَائِزٌ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ نِصْفَ الشَّيْءِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّهِ وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَ إِذَا كَانَ هُوَ النِّصْفَ لَمْ يَخْرُجْ صَاحِبُهُ عَنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ إِلَّا بِزِيَادَةِ شَيْءٍ قَلِيلٍ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ نِصْفًا وَشَيْئًا، فَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا مَعْنَاهُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا نَصِفَهُ، فَيَكُونُ الْحَاصِلُ: قُمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا يَعْنِي أَوِ انْقُصْ مِنْ هَذَا النِّصْفِ نِصْفَهُ حَتَّى يَبْقَى الرُّبُعُ، ثُمَّ قَالَ:
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ يَعْنِي أَوْ زِدْ عَلَى هَذَا النِّصْفِ نِصْفَهُ حَتَّى يصير المجموع ثلاثة أرباعه، وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ حَاصِلُ الْآيَةِ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ تَمَامَ النِّصْفِ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُومَ رُبُعَ اللَّيْلِ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُومَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ هُوَ قِيَامُ الرُّبُعِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ يَكُونُ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ وَالنَّوَافِلِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ [المزمل: 20] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَقُمْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، وَلَا نِصْفَهُ وَلَا ثُلُثَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَمَّا كَانَ هُوَ الرُّبُعُ فَقَطْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ الثُّلُثِ تَرْكُ شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، فَزَالَ السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ، وَاللَّهُ أعلم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا قَالَ الزَّجَّاجُ: رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، بَيِّنْهُ تَبْيِينًا، وَالتَّبْيِينُ لَا يَتِمُّ بِأَنْ يَعْجَلَ فِي الْقُرْآنِ، إِنَّمَا يَتِمُّ بِأَنْ يَتَبَيَّنَ جَمِيعَ الْحُرُوفِ، وَيُوَفِّيَ حَقَّهَا مِنَ الْإِشْبَاعِ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَغْرٌ رَتْلٌ إِذَا كَانَ بَيْنَ الثَّنَايَا افْتِرَاقٌ لَيْسَ بِالْكَثِيرِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: التَّرْتِيلُ تَنْسِيقُ الشَّيْءِ، وَثَغْرٌ رَتْلٌ، حَسَنُ التَّنْضِيدِ، وَرَتَّلْتُ الْكَلَامَ تَرْتِيلًا، إِذَا تَمَهَّلْتُ فِيهِ وَأَحْسَنْتُ تَأْلِيفَهُ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى: تَرْتِيلًا تَأْكِيدٌ فِي إِيجَابِ الْأَمْرِ بِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْقَارِئِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ أَمَرَهُ بِتَرْتِيلِ الْقُرْآنِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْخَاطِرُ مِنَ التَّأَمُّلِ فِي حَقَائِقِ تِلْكَ الْآيَاتِ وَدَقَائِقِهَا، فَعِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَسْتَشْعِرُ عَظْمَتَهُ وَجَلَالَتَهُ، وَعِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ يَحْصُلُ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَنِيرُ الْقَلْبُ بِنُورِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَالْإِسْرَاعُ فِي الْقِرَاءَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى الْمَعَانِي، لِأَنَّ النَّفْسَ تَبْتَهِجُ بِذِكْرِ الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَمَنِ ابْتَهَجَ بِشَيْءٍ أَحَبَّ ذِكْرَهُ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ بِسُرْعَةٍ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ من الترتيل إنما هو حضور القلب وكما المعرفة.

[سورة المزمل (73) : آية 5]
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5)
ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ الثَّقِيلِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِهِ ثَقِيلًا عِظَمُ قَدْرِهِ وَجَلَالَةُ خَطَرِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ نَفَسَ وَعَظُمَ خَطَرُهُ، فَهُوَ ثُقْلٌ وَثَقِيلٌ وَثَاقِلٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ:
قَوْلًا ثَقِيلًا يَعْنِي كَلَامًا عَظِيمًا، وَوَجْهُ النَّظْمِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا أَمَرْتُكَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ لِأَنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَسْعَى فِي صَيْرُورَةِ نَفْسِكَ مُسْتَعِدَّةً لِذَلِكَ الْقَوْلِ الْعَظِيمِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الِاسْتِعْدَادُ إِلَّا بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ إِذَا اشْتَغَلَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقْبَلَ عَلَى
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 683
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست