responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 603
الْعُمُومَ لَمَا حَسُنَ هَذَا الذَّمُّ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِذَلِكَ: قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا يَعْنِي بِالتَّوْرَاةِ وَكُتُبِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أَتَوْا بِتَقْرِيرِ شَرْعِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْإِنْجِيلُ والقرآن. وأورده هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الذَّمِّ لَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا وَلَهُمْ طَرِيقٌ إِلَى أَنْ يَعْرِفُوا كَوْنَهُ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ وَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِبَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دُونَ الْبَعْضِ تَنَاقُضٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ فَهُوَ كَالْإِشَارَةِ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ/ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الْحَقُّ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمعجزات التي ظهرت عليه، إنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَمَرَ الْمُكَلَّفِينَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَكَانَ الْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبًا لَا مَحَالَةَ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْإِيمَانَ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَبَعْضِ الْكُتُبِ مَعَ الْكُفْرِ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَبَعْضِ الْكُتُبِ مُحَالٌ. الثَّانِي: مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمًا وَلَا اسْتَفَادَ مِنْ أُسْتَاذٍ، فَلَمَّا أَتَى بِالْحِكَايَاتِ وَالْقِصَصِ مُوَافِقَةً لِمَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ أَصْلًا عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّمَا اسْتَفَادَهَا مِنَ الْوَحْيِ وَالتَّنْزِيلِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِلتَّوْرَاةِ وَجَبَ اشْتِمَالُ التَّوْرَاةِ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ نُبُوَّتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ مُصَدِّقًا لِلتَّوْرَاةِ بَلْ مُكَذِّبًا لَهَا وَإِذَا كَانَتِ التَّوْرَاةُ مُشْتَمِلَةً عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُمْ قَدِ اعْتَرَفُوا بِوُجُوبِ الْإِيمَانِ بِالتَّوْرَاةِ لَزِمَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَبِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيَّنَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ دَعْوَاهُمْ كَوْنَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِالتَّوْرَاةِ مُتَنَاقِضَةٌ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ صَادِقًا فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ قَتْلَهُ كُفْرٌ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ السَّعْيُ فِي قَتْلِ يَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كُفْرًا فَلِمَ سَعَيْتُمْ فِي ذَلِكَ إِنْ صَدَقْتُمْ فِي ادِّعَائِكُمْ كَوْنَكُمْ مُؤْمِنِينَ بِالتَّوْرَاةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُجَادَلَةَ فِي الدِّينِ مِنْ حِرَفِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَنَّ إِيرَادَ الْمُنَاقَضَةِ عَلَى الْخَصْمِ جَائِزٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: فَلِمَ تَقْتُلُونَ وَإِنْ كَانَ خِطَابَ مُشَافَهَةٍ لَكِنَّ الْمُرَادَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ سَلَفِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ، أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَا كَانُوا مَوْجُودِينَ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ مَا أَقْدَمُوا عَلَى ذَلِكَ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مِنْ قَبْلُ. فَأَمَّا الْمُرَادُ بِهِ الْمَاضِي فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: آمِنُوا خِطَابٌ لهؤلاء الموجودين: وفَلِمَ تَقْتُلُونَ حِكَايَةُ فِعْلِ أَسْلَافِهِمْ فَكَيْفَ وُجِّهَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا مَعْنَاهُ: أَنَّكُمْ بِهَذَا التَّكْذِيبِ خَرَجْتُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَا آمَنْتُمْ كَمَا خَرَجَ أَسْلَافُكُمْ بِقَتْلِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ الْإِيمَانِ بِالْبَاقِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: يُقَالُ كَيْفَ جَازَ قَوْلُهُ: لِمَ تَقْتُلُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَنَا أَضْرِبُكَ أَمْسُ؟ وَالْجَوَابُ فِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ اللَّازِمَةِ كَقَوْلِكَ لِمَنْ تَعْرِفُهُ بِمَا سَلَفَ مِنْ قُبْحِ فعله:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 603
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست