responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 596
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قُرِئَ وَأَيَّدْنَاهُ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «الْقُدْسِ» بِالتَّخْفِيفِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّثْقِيلِ وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ رُعُبٌ وَرُعْبٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الرُّوحِ عَلَى وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُجُوهٍ.
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ الرُّوحُ الْمُقَدَّسَةُ كَمَا يُقَالُ: حَاتِمُ الْجُودِ وَرَجُلُ صِدْقٍ فَوُصِفَ جِبْرِيلُ بِذَلِكَ تَشْرِيفًا لَهُ وَبَيَانًا لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. الثَّانِي: سُمِّي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْيَا بِهِ الدِّينُ كَمَا يَحْيَا الْبَدَنُ بِالرُّوحِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِإِنْزَالِ الْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُكَلَّفُونَ فِي ذَلِكَ يَحْيَوْنَ فِي دِينِهِمْ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الرُّوحَانِيَّةُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَلَائِكَةِ غَيْرَ أَنَّ رُوحَانِيَّتَهُ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ. الرَّابِعُ: سُمِّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُوحًا، لِأَنَّهُ مَا ضَمَّتْهُ أَصْلَابُ الْفُحُولِ وَأَرْحَامُ الْأُمَّهَاتِ، وَثَانِيهَا: الْمُرَادُ بِرُوحِ الْقُدُسِ الْإِنْجِيلُ، كَمَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ: رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشُّورَى: 52] وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الدِّينَ يَحْيَا بِهِ وَمَصَالِحَ الدُّنْيَا تَنْتَظِمُ لِأَجْلِهِ. وَثَالِثُهَا:
أَنَّهُ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ يُحْيِي بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَوْتَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ الرُّوحُ الَّذِي نُفِخَ فِيهِ وَالْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَسَبَ رُوحَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى نَفْسِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَشْرِيفًا، كَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ وَنَاقَةُ الله، عن الربيع، وعلى هذا المراد بِهِ الرُّوحُ الَّذِي يَحْيَا بِهِ الْإِنْسَانُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ الرُّوحِ عَلَى جِبْرِيلَ وَعَلَى الْإِنْجِيلِ وَعَلَى الِاسْمِ الْأَعْظَمِ مَجَازٌ لِأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الرِّيحُ الْمُتَرَدِّدُ فِي مَخَارِقِ الْإِنْسَانِ وَمَنَافِذِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مَا كَانَتْ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِالرُّوحِ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الرُّوحَ كَمَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الرَّجُلِ، فَكَذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الْقُلُوبِ بِالْعُلُومِ، وَالْإِنْجِيلُ سَبَبٌ لِظُهُورِ الشَّرَائِعِ وَحَيَاتِهَا، وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ سَبَبٌ لِأَنْ يُتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى تَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ إِلَّا أَنَّ الْمُشَابَهَةَ بَيْنَ مُسَمَّى الرُّوحِ وَبَيْنَ جِبْرِيلَ أَتَمُّ لِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَخْلُوقٌ مِنْ هَوَاءٍ نُورَانِيٍّ، لَطِيفٍ فَكَانَتِ الْمُشَابَهَةُ أَتَمَّ، فَكَانَ إِطْلَاقُ اسْمِ الرُّوحِ عَلَى جِبْرِيلَ أَوْلَى. وَثَانِيهَا: أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِيمَا عَدَاهُ، وَثَالِثُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يَعْنِي قَوَّيْنَاهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ التَّقْوِيَةِ الْإِعَانَةُ وَإِسْنَادُ الْإِعَانَةِ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقِيقَةٌ وَإِسْنَادُهَا إِلَى الْإِنْجِيلِ وَالِاسْمِ الْأَعْظَمِ مَجَازٌ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى، وَرَابِعُهَا: وَهُوَ أَنَّ اخْتِصَاصَ عِيسَى بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ آكَدِ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِثْلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَشَّرَ مَرْيَمَ/ بِوِلَادَتِهَا وَإِنَّمَا وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ نَفْخَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ الَّذِي رَبَّاهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَكَانَ يَسِيرُ مَعَهُ حَيْثُ سَارَ وَكَانَ مَعَهُ حِينَ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَهُوَ نِهَايَةُ الذَّمِّ لَهُمْ، لِأَنَّ الْيَهُودَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا أَتَاهُمُ الرَّسُولُ بِخِلَافِ مَا يَهْوُونَ كَذَّبُوهُ، وَإِنْ تَهَيَّأَ لَهُمْ قَتْلُهُ قَتَلُوهُ. وَإِنَّمَا كَانُوا كَذَلِكَ لِإِرَادَتِهِمُ الرِّفْعَةَ فِي الدُّنْيَا وَطَلَبِهِمْ لَذَّاتِهَا وَالتَّرَؤُّسَ عَلَى عَامَّتِهِمْ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَكَانَتِ الرسل تبطل عليه ذَلِكَ فَيُكَذِّبُونَهُمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَيُوهِمُونَ عَوَامَّهُمْ كَوْنَهُمْ كَاذِبِينَ وَيَحْتَجُّونَ فِي ذَلِكَ بِالتَّحْرِيفِ وَسُوءِ التَّأْوِيلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَسْتَكْبِرُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ اسْتِكْبَارَ إِبْلِيسَ عَلَى آدَمَ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 596
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست