responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 534
إِنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْهِمْ دُخُولَهَا مِنْ حَيْثُ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْكُنُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ بِقَوْلِهِ: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ قُلْنَا الْأَصْلُ أَنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْمَنْعُ مِنَ التَّصَرُّفِ خِلَافُ الدَّلِيلِ، أَجَابَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ عَنْ هَاتَيْنِ الْحُجَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو مُسْلِمٍ فَقَالُوا: أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّا نَتَمَسَّكُ بِالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ الَّتِي فِيهَا التَّنْوِينُ. قَوْلُهُ: هَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ، قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنَّا نُخَصِّصُ الْعُمُومَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ.
أَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّا لَا نُنَازِعُ فِي أَنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ وَلَكِنْ قَدْ يُتْرَكُ هَذَا الْأَصْلُ لِعَارِضٍ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ، فَنَحْنُ تَرْكَنَا هَذَا الْأَصْلَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلَالَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ فَالْمَعْنَى جُعِلَتِ الذِّلَّةُ مُحِيطَةً بِهِمْ حَتَّى مُشْتَمِلَةً عَلَيْهِمْ فَهُمْ فِيهَا كَمَنْ يَكُونُ فِي الْقُبَّةِ الْمَضْرُوبَةِ أَوْ أُلْصِقَتْ بِهِمْ حَتَّى لَزِمَتْهُمْ ضَرْبَةُ لَازِمٍ كَمَا يُضْرَبُ الطِّينُ عَلَى الْحَائِطِ فَيَلْزَمُهُ وَالْأَقْرَبُ فِي الذِّلَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا مَا يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَنْ يُحَارِبُ وَيُفْسِدُ: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ الْمُرَادُ بِهِ الْجِزْيَةُ خَاصَّةً على ما قَالَ: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التَّوْبَةِ: 29] فَقَوْلُهُ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَا كَانَتْ مَضْرُوبَةً عَلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمَسْكَنَةُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْفَقْرُ وَالْفَاقَةُ وَتَشْدِيدُ الْمِحْنَةِ، فَهَذَا الْجِنْسُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالْعُقُوبَةِ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ عَدَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُعْجِزَاتِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَ عَنْ ضَرْبِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ عَلَيْهِمْ وَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَانَ هَذَا إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ فَيَكُونُ مُعْجِزًا.
أَمَّا قوله تعالى: وَباؤُ ففيه وجوه. أحدها: البوء الرجوع، فقوله: باؤُ أَيْ رَجَعُوا وَانْصَرَفُوا بِذَلِكَ وَلَا يُقَالُ بَاءَ إلا بشر. وثانيها: البوء التسوية. فقوله: باؤُ أي استوى عليهم غضب الله. قال الزجاج.
وثالثها: باؤ أَيِ اسْتَحَقُّوا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ [الْمَائِدَةِ: 29] أَيْ تَسْتَحِقُّ الْإِثْمَيْنِ جَمِيعًا. وَأَمَّا غَضَبُ اللَّهِ فَهُوَ إِرَادَةُ الِانْتِقَامِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ ضَرْبِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ عَلَيْهِمْ وَإِلْحَاقِ الْغَضَبِ بِهِمْ. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَوْ كَانَ الْكُفْرُ حَصَلَ فِيهِمْ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا حَصَلَتِ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ فِيهِمْ بِخَلْقِهِ لَمَا كَانَ جَعْلُ أحدهما جزاء الثاني أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، وَجَوَابُهُ الْمُعَارَضَةُ بِالْعِلْمِ وَالدَّاعِي، وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْكُفْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ مَا تَقَدَّمَ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ أَيْضًا وَفِيهِ سُؤَالَاتٌ.
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَكْفُرُونَ دَخَلَ تَحْتَهُ قَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ فَلِمَ أَعَادَ ذِكْرَهُ مَرَّةً أُخْرَى؟ الْجَوَابُ:
الْمَذْكُورُ هَاهُنَا الْكُفْرُ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْجَهْلُ وَالْجَحْدُ بِآيَاتِهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ قَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ قَالَ: بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؟ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْبَاطِلِ قَدْ يَكُونُ حَقًّا لِأَنَّ الْآتِيَ بِهِ اعْتَقَدَهُ حَقًّا لِشُبْهَةٍ وَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ وَقَدْ يَأْتِي بِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ بَاطِلًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّانِيَ أَقْبَحُ فَقَوْلُهُ: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَيْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ كان
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 534
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست