responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 471
نَزَلَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَدِيدِ السَّنَدَانُ وَالْكَلْبَتَانُ/ وَالْمِقْمَعَةُ وَالْمِطْرَقَةُ وَالْإِبْرَةُ، والمعمقة مَا يُحَدَّدُ بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا مَا
رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ أَرْبَعَ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ: أَنْزَلَ الْحَدِيدَ وَالنَّارَ وَالْمَاءَ وَالْمِلْحَ» .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْإِنْزَالِ الْإِنْشَاءُ وَالتَّهْيِئَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزُّمَرِ: 6] قَالَ قطرب: أَنْزَلْناها [النور: 1] أَيْ هَيَّأْنَاهَا مِنَ النُّزُلِ، يُقَالُ: أُنْزِلَ الْأَمِيرُ عَلَى فُلَانٍ نُزُلًا حَسَنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا، وَأَكَلْتُ خُبْزًا وَلَبَنًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ذُكِرَ فِي مَنَافِعِ الْمِيزَانِ أَنْ يَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَالْقِسْطُ وَالْإِقْسَاطُ هُوَ الْإِنْصَافُ وَهُوَ أَنْ تُعْطِيَ قِسْطَ غَيْرِكَ كَمَا تَأْخُذُ قِسْطَ نَفْسِكَ، وَالْعَادِلُ مُقْسِطٌ قَالَ اللَّه تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات: 9] والقاسط الجائر قال تعالى: أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
[الجن: 15] وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَفِيهِ الْبَأْسُ الشَّدِيدُ فَإِنَّ آلَاتِ الْحُرُوبِ مُتَّخَذَةٌ مِنْهُ، وَفِيهِ أَيْضًا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ [الْأَنْبِيَاءِ: 80] وَمِنْهَا أَنَّ مَصَالِحَ الْعَالَمِ، إِمَّا أُصُولٌ، وَإِمَّا فُرُوعٌ، أَمَّا الْأُصُولُ فَأَرْبَعَةٌ: الزِّرَاعَةُ وَالْحِيَاكَةُ وَبِنَاءُ الْبُيُوتِ وَالسَّلْطَنَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُضْطَرٌّ إِلَى طَعَامٍ يَأْكُلُهُ وَثَوْبٍ يَلْبَسُهُ وَبِنَاءٍ يَجْلِسُ فِيهِ، وَالْإِنْسَانُ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ فَلَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُ إِلَّا عِنْدَ اجْتِمَاعِ جَمْعٍ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ يَشْتَغِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمُهِمٍّ خَاصٍّ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ مِنَ الْكُلِّ مَصَالِحُ الْكُلِّ، وَذَلِكَ الِانْتِظَامُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُفْضِيَ إِلَى الْمُزَاحَمَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَخْصٍ يَدْفَعُ ضَرَرَ الْبَعْضِ عَنِ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ هُوَ السُّلْطَانُ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَنْتَظِمُ مَصْلَحَةُ الْعَالَمِ إِلَّا بِهَذِهِ الْحُرُوفِ الْأَرْبَعَةِ، أَمَّا الزِّرَاعَةُ فَمُحْتَاجَةٌ إِلَى الْحَدِيدِ، وَذَلِكَ فِي كُرَبِ الْأَرَاضِي وَحَفْرِهَا، ثُمَّ عِنْدَ تَكَوُّنِ هَذِهِ الْحُبُوبِ وَتَوَلُّدِهَا لَا بُدَّ مِنْ خَبْزِهَا وَتَنْقِيَتِهَا، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْحَدِيدِ، ثُمَّ الْحُبُوبُ لَا بُدَّ مِنْ طَحْنِهَا وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْحَدِيدِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ خَبْزِهَا وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِالنَّارِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْمِقْدَحَةِ الْحَدِيدِيَّةِ، وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْظِيفِهَا عَنْ قُشُورِهَا، وَقَطْعِهَا عَلَى الْوُجُوهِ الْمُوَافِقَةِ لِلْأَكْلِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَدِيدِ، وَأَمَّا الْحِيَاكَةُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي آلَاتِ الْحِيَاكَةِ إِلَى الْحَدِيدِ ثُمَّ يَحْتَاجُ فِي قَطْعِ الثِّيَابِ وَخِيَاطَتِهَا إِلَى الْحَدِيدِ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ كَمَالَ الْحَالِ فِيهِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْحَدِيدِ، وَأَمَّا أَسْبَابُ السَّلْطَنَةِ فَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ وَلَا تَكْمُلُ إِلَّا بِالْحَدِيدِ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ أَكْثَرَ مَصَالِحِ الْعَالَمِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْحَدِيدِ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ الذَّهَبَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْحَدِيدِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَصَالِحِ فَلَوْ لَمْ يُوجَدِ الذَّهَبُ فِي الدُّنْيَا مَا كَانَ يَخْتَلُّ شَيْءٌ مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا، وَلَوْ لَمْ يُوجَدِ الْحَدِيدُ لَاخْتَلَّ جَمِيعُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّ الْحَدِيدَ لَمَّا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ شَدِيدَةً، جَعَلَهُ سَهْلَ الْوِجْدَانِ، كَثِيرَ الْوُجُودِ، وَالذَّهَبُ لَمَّا قَلَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ جَعَلَهُ عَزِيزَ الْوُجُودِ، وعند هذا يظهر أثر وجود اللَّه تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ عَلَى عَبِيدِهِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا كَانَتْ حَاجَتُهُمْ إِلَيْهِ أَكْثَرَ، جَعَلَ وِجْدَانَهُ أَسْهَلَ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إِنَّ أَعْظَمَ الْأُمُورِ حَاجَةً إِلَيْهِ هُوَ الْهَوَاءُ، فَإِنَّهُ لَوِ انْقَطَعَ وُصُولُهُ إِلَى الْقَلْبِ لَحْظَةً لَمَاتَ الْإِنْسَانُ فِي الْحَالِ، فَلَا جَرَمَ جَعَلَهُ اللَّه أَسْهَلَ الْأَشْيَاءِ وِجْدَانًا، وَهَيَّأَ أَسْبَابَ التَّنَفُّسِ وَآلَاتِهِ، حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَنَفَّسُ دَائِمًا بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ مِنْ غَيْرِ/ حَاجَةٍ فِيهِ إِلَى تَكَلُّفِ عَمَلٍ، وَبَعْدَ الْهَوَاءِ الْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْمَاءِ أَقَلَّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الْهَوَاءِ جَعَلَ تَحْصِيلَ الْمَاءِ أَشَقَّ قَلِيلًا مِنْ تَحْصِيلِ الْهَوَاءِ، وَبَعْدَ الْمَاءِ الطَّعَامُ، وَلَمَّا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الطَّعَامِ أَقَلَّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَاءِ، جَعَلَ تَحْصِيلَ الطَّعَامِ أَشَقَّ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَاءِ، ثُمَّ تَتَفَاوَتُ الْأَطْعِمَةُ فِي دَرَجَاتِ الْحَاجَةِ وَالْعِزَّةِ فَكُلُّ مَا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ أَشَدَّ، كَانَ وِجْدَانُهُ أَسْهَلَ، وَكُلُّ مَا كَانَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 471
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست