responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 448
جَلَالُهُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَا تَكُونُ مَعْقُولَةً لِلْبَشَرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْهُ عِنْدَ الْخَلْقِ، إِمَّا الْوُجُودُ وَإِمَّا السُّلُوبُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ، وَإِمَّا الْإِضَافَةُ، وَهُوَ أَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ كَذَا وَكَذَا، وَالْحَقِيقَةُ الْمَخْصُوصَةُ مُغَايِرَةٌ لِهَذِهِ الْأُمُورِ فَهِيَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَظْهَرَ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ عِنْدَ الْعَقْلِ كَوْنُهُ خَالِقًا لِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمُتَقَدِّمًا عَلَيْهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ حَيْرَةَ الْعَقْلِ وَدَهْشَتَهُ فِي مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَوَّلِيَّةِ، فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْآخِرُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْبَاطِنُ، وَسَمِعْتُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّه يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ يُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ نَحْوَ الْبَيْتِ وَسَجَدُوا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ بِقَوْلِهِ: هُوَ الْأَوَّلُ قَالُوا الْأَوَّلُ هُوَ الْفَرْدُ السَّابِقُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَوْ قَالَ: أَوَّلُ مَمْلُوكٍ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ لَمْ يُعْتَقَا، لِأَنَّ شَرْطَ كونه أولا حصول الفردية، وهاهنا لَمْ تَحْصُلْ، فَلَوِ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدًا وَاحِدًا لَمْ يُعْتِقْ، لِأَنَّ شَرْطَ الْأَوَّلِيَّةِ كَوْنُهُ سابقا وهاهنا لَمْ يَحْصُلْ، فَثَبَتَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِهِ أَوَّلًا أَنْ يَكُونَ فَرْدًا، فَكَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ فَرَدٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: إِنَّهُ أَوَّلٌ لِأَنَّهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّهُ آخِرٌ لِأَنَّهُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّهُ ظَاهِرٌ بِحَسَبِ الدَّلَائِلِ، وَإِنَّهُ بَاطِنٌ عَنِ الْحَوَاسِّ مُحْتَجِبٌ عَنِ الْأَبْصَارِ، وَأَنَّ جَمَاعَةً لَمَّا عَجَزُوا عَنْ جَوَابِ جَهْمٍ قَالُوا:
مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: فُلَانٌ هُوَ أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ وَآخِرُهُ وَظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ، أَيْ عَلَيْهِ يَدُورُ، وَبِهِ يَتِمُّ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا أَمْكَنَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهَا اسْتِدْلَالُ جَهْمٍ/ لَمْ يَكُنْ بِنَا إِلَى حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَجَازِ حَاجَةٌ، وَذَكَرُوا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْغَالِبُ الْعَالِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ [الصَّفِّ: 14] أَيْ غَالِبِينَ عَالِينَ، مِنْ قَوْلِكَ: ظَهَرْتُ عَلَى فُلَانٍ أَيْ عَلَوْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: عَلَيْها يَظْهَرُونَ [الزُّخْرُفِ: 33] وَهَذَا مَعْنَى مَا
رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ»
وَأَمَّا الْبَاطِنُ فَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهُ الْعَالِمُ بِمَا بَطَنَ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: فُلَانٌ يَظُنُّ أَمْرَ فُلَانٍ، أَيْ يَعْلَمُ أَحْوَالَهُ الْبَاطِنَةَ قَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ: أَنْتَ أَبْطَنُ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ أَخْبَرُ بِبَاطِنِهِ، فَمَعْنَى كَوْنِهِ بَاطِنًا، كَوْنُهُ عَالِمًا بِبَوَاطِنِ الْأُمُورِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَكُونُ تَكْرَارًا.
أَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَحْسُنُ مَوْقِعُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ أَحَدًا لَا يُحِيطُ بِهِ وَلَا يَصِلُ إِلَى أَسْرَارِهِ، وَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِ غَيْرِهِ وَنَظِيرُهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [الْمَائِدَةِ: 116] .

[سورة الحديد (57) : آية 4]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي الْأَعْرَافِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ دَلَائِلُ الْقُدْرَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي سَبَأٍ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ كَمَالُ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ وَصْفَ الْقُدْرَةِ عَلَى وَصْفِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ تَعَالَى قَادِرًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ الْعِلْمِ باللَّه، هُوَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ قَادِرًا،
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 448
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست