responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 344
الْكِتَابِ الْكَرِيمِ، وَبَيْنَ الْقُرْآنِ وَالْمِيزَانِ مُنَاسَبَةٌ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ، وَالْمِيزَانُ فِيهِ مِنَ العدل مالا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْآلَاتِ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي تَقْدِيمِ السَّمَاءِ عَلَى الْفِعْلِ حَيْثُ قَالَ:
وَالسَّماءَ رَفَعَها وَتَقْدِيمِ الْفِعْلِ عَلَى الميزان حيث قال: وَوَضَعَ الْمِيزانَ [الرحمن: 7] نَقُولُ: قَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ اللَّه فَوَائِدُ لَا يُحِيطُ بِهَا عِلْمُ الْبَشَرِ إِلَّا مَا ظَهَرَ وَالظَّاهِرُ هاهنا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَدَّ النِّعَمَ الثَّمَانِيَةَ كَمَا بَيَّنَّا وَكَانَ بَعْضُهَا أَشَدَّ اخْتِصَاصًا بِالْإِنْسَانِ مِنْ بَعْضٍ فَمَا كَانَ شَدِيدَ الِاخْتِصَاصِ بِالْإِنْسَانِ قَدَّمَ فِيهِ الْفِعْلَ، كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقُولُ: أَعْطَيْتُكَ الْأُلُوفَ وَحَصَّلْتُ لَكَ الْعَشَرَاتِ، فَلَا يُصَرِّحُ فِي الْقَلِيلِ بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ: فِي النِّعَمِ الْمُخْتَصَّةِ، أَعْطَيْتُكَ كَذَا، وَفِي التَّشْرِيكِ وَصَلَ إِلَيْكَ مِمَّا اقْتَسَمْتُمْ بَيْنَكُمْ كَذَا، فَيُصَرِّحُ بِالْإِعْطَاءِ عِنْدَ الِاخْتِصَاصِ، وَلَا يُسْنِدُ الْفِعْلَ إلى نفسه عند التشريك، فكذلك هاهنا ذَكَرَ أُمُورًا أَرْبَعَةً بِتَقْدِيمِ الْفِعْلِ، قَالَ تَعَالَى: عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ [الرحمن: 2- 4] وَوَضَعَ الْمِيزانَ [الرَّحْمَنِ:
7] وَأُمُورًا أَرْبَعَةً بِتَقْدِيمِ الِاسْمِ، قَالَ تَعَالَى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ... وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ ... وَالسَّماءَ رَفَعَها ...
وَالْأَرْضَ وَضَعَها [الرحمن: 5- 10] لِمَا أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ نَفْعُهُ إِلَى الْإِنْسَانِ أَعْوَدُ، وَخَلْقُ الْإِنْسَانِ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَتَعْلِيمُهُ الْبَيَانَ كَذَلِكَ وَوَضْعُ الْمِيزَانِ، كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ، وَلَا غَيْرَ الْإِنْسَانِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، وَأَمَّا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ وَالسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ كُلُّ حَيَوَانٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وتحت السماء. ثم قال تعالى:

[سورة الرحمن (55) : آية 10]
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10)
فِيهِ مَبَاحِثُ:
الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ تَقْدِيمَ الِاسْمِ عَلَى الْفِعْلِ كَانَ فِي مَوَاضِعِ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِلْأَنامِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، فَإِنَّ اللَّامَ لِعَوْدِ النَّفْعِ نَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: مَا قِيلَ: إِنَّ الْأَنَامَ يَجْمَعُ الْإِنْسَانَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَقَوْلُهُ لِلْأَنامِ لَا يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِالْإِنْسَانِ ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْأَرْضَ مَوْضُوعَةٌ لِكُلِّ مَا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا خَصَّ الْإِنْسَانَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ انْتِفَاعَهُ بِهَا أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا وَبِمَا فِيهَا وَبِمَا عَلَيْهَا، فَقَالَ لِلْأَنامِ لِكَثْرَةِ انْتِفَاعِ الْأَنَامِ بِهَا، إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْأَنَامَ هُوَ الْإِنْسَانُ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ الْخَلْقُ فَالْخَلْقُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْإِنْسَانَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ. وقوله تعالى:

[سورة الرحمن (55) : آية 11]
فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (11)
إِشَارَةٌ إِلَى الْأَشْجَارِ، وَقَوْلُهُ: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ [الرَّحْمَنِ: 12] إِشَارَةٌ إِلَى النَّبَاتِ الَّذِي لَيْسَ بِشَجَرٍ وَالْفَاكِهَةُ مَا تَطِيبُ بِهِ النَّفْسُ، وَهِيَ فَاعِلَةٌ إِمَّا عَلَى طريقة: عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الحاقة: 21] أَيْ ذَاتُ رِضًى يَرْضَى بِهَا كُلُّ أَحَدٍ، وَإِمَّا عَلَى تَسْمِيَةِ الْآلَةِ بِالْفَاعِلِ يُقَالُ: رَاوِيَةٌ لِلْقِرْبَةِ الَّتِي يُرْوَى بِهَا الْعَطْشَانُ، وَفِيهِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ كَالرَّاحِلَةِ لِمَا يُرْحَلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِبَعْضِ الثِّمَارِ/ وُضِعَتْ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ اشْتِقَاقِ، وَالتَّنْكِيرُ لِلْتَكْثِيرِ، أَيْ كَثِيرَةٌ كَمَا يُقَالُ لِفُلَانٍ مَالٌ أَيْ عَظِيمٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ دَلَالَةِ التَّنْكِيرِ عَلَى التَّعْظِيمِ وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عَظِيمٌ لَا يُحِيطُ بِهِ مَعْرِفَةُ كُلِّ أَحَدٍ فَتَنْكِيرُهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ أَنْ يُعْرَفَ كُنْهُهُ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 344
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست