responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 28  صفحه : 260
الْمُكَلَّفُ يَحْتَاجُ إِلَى يَقِينٍ يُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، لِيَعْتَقِدَ الْحَقَّ وَيُمَيِّزَ الْخَيْرَ/ مِنَ الشَّرِّ لِيَفْعَلَ الْخَيْرَ، لَكِنَّ فِي الْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَازِمًا لِاعْتِقَادِ مُطَابِقِهِ، وَالظَّانُّ لَا يَكُونُ جَازِمًا، وَفِي الْخَيْرِ رُبَّمَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ فِي مَوَاضِعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مِنَ الْحَقِّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الظَّنَّ لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَيِ الْأَوْصَافُ الْإِلَهِيَّةُ لَا تُسْتَخْرَجُ بِالظُّنُونِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ [الْحَجِّ: 6] وَفِيهِ لَطِيفَةٌ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مَنَعَ مِنَ الظَّنِّ، وَفِي جَمِيعِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ كَانَ الْمَنْعُ عَقِيبَ التَّسْمِيَةِ، وَالدُّعَاءُ بِاسْمٍ مَوْضِعَانِ مِنْهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ [النجم: 23] . وَالثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً، وَالثَّالِثُ: فِي الْحُجُرَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ [الْحُجُرَاتِ: 11، 12] عَقِيبَ الدُّعَاءِ بِالْقَلْبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ دليل على أن حفظ اللسن أَوْلَى مِنْ حِفْظِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَرْكَانِ، وَأَنَّ الْكَذِبَ أَقْبَحُ مِنَ السَّيِّئَاتِ الظَّاهِرَةِ مِنَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ، وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الثَّلَاثَةُ أَحَدُهَا: مَدْحُ مَنْ لا يستحق المدح كاللّات والعزى من العزو ثانيها: ذَمُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ يُسَمُّونَهُمْ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى وَثَالِثُهَا: ذَمُّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ، وَأَمَّا مَدْحُ مَنْ حَالُهُ لَا يُعْلَمُ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: لَا يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، بَلِ الظَّنُّ فِيهِ مُعْتَبَرٌ، وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ حَالِ الْعَاقِلِ وَاجِبٌ. ثم قال تعالى:

[سورة النجم (53) : آية 29]
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (29)
أَيِ اتْرُكْ مُجَادَلَتَهُمْ فَقَدْ بَلَّغْتَ وَأَتَيْتَ بِمَا كَانَ عَلَيْكَ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُونَ: بِأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَعْرِضْ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْقَتْلِ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِعْرَاضِ مُوَافِقٌ لِآيَةِ الْقِتَالِ، فَكَيْفَ يُنْسَخُ بِهِ؟
وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا بِالدُّعَاءِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، فَلَمَّا عَارَضُوهُ بِأَبَاطِيلِهِمْ قِيلَ لَهُ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النَّحْلِ: 125] ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَنْفَعْ، قَالَ لَهُ رَبُّهُ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَلَا تُقَابِلْهُمْ بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، وَلَا يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ، وَقَابِلْهُمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ بِشَرْطِ جَوَازِ الْمُقَابَلَةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْسُوخًا، وَالْإِعْرَاضُ مِنْ بَابِ أَشْكَاهُ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلسَّلْبِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَزِلِ الْعَرْضَ، وَلَا تُعْرِضْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ هَذَا أَمْرًا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا لِبَيَانِ تَقْدِيمِ فَائِدَةِ الْعَرْضِ وَالْمُنَاظَرَةِ، لِأَنَّ مَنْ لَا يُصْغِي إِلَى الْقَوْلِ كَيْفَ يَفْهَمُ مَعْنَاهُ؟ وَفِي ذِكْرِنا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: الْقُرْآنُ الثَّانِي: الدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ الثَّالِثُ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَنْ/ لَا يَنْظُرُ فِي الشَّيْءِ كَيْفَ يَعْرِفُ صِفَاتِهِ؟ وَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ لَا نَتَفَكَّرُ فِي آلَاءِ اللَّهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِنَا بِاللَّهِ، وَإِنَّمَا أَمْرُنَا مَعَ مَنْ خَلَقَنَا، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوِ الدَّهْرُ عَلَى اخْتِلَافِ أَقَاوِيلِهِمْ وَتَبَايُنِ أَبَاطِيلِهِمْ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا إِشَارَةٌ إِلَى إِنْكَارِهِمُ الْحَشْرَ، كَمَا قَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا [الْمُؤْمِنُونَ: 37] وَقَالَ تَعَالَى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا [التَّوْبَةِ: 38] يَعْنِي لَمْ يُثْبِتُوا وَرَاءَهَا شَيْئًا آخَرَ يَعْمَلُونَ لَهُ، فَقَوْلُهُ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا إِشَارَةٌ إِلَى إِنْكَارِهِمُ الْحَشْرَ، لِأَنَّهُ إِذَا تَرَكَ النَّظَرَ فِي آلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَعْرِفُهُ فَلَا يَتَّبِعُ رَسُولَهُ فَلَا يَنْفَعُهُ كَلَامُهُ. وَإِذَا لَمْ يَقُلْ بِالْحَشْرِ وَالْحِسَابِ لَا يَخَافُ فَلَا يَرْجِعُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، فَلَا يَبْقَى إِذَنْ فَائِدَةٌ فِي الدُّعَاءِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ طَبِيبَ الْقُلُوبِ، فَأَتَى عَلَى تَرْتِيبِ الْأَطِبَّاءِ، وَتَرْتِيبُهُمْ أَنَّ الْحَالَ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُهُ بِالْغِذَاءِ لَا يَسْتَعْمِلُونَ الدَّوَاءَ، وَمَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُهُ بِالدَّوَاءِ الضَّعِيفِ لَا يَسْتَعْمِلُونَ الدَّوَاءَ الْقَوِيَّ، ثُمَّ إِذَا عَجَزُوا عَنِ الْمُدَاوَاةِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 28  صفحه : 260
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست