responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 28  صفحه : 20
يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الْفَاتِحَةِ: 6، 7] وَالْمُرَادُ صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ الْعَبْدُ يَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى نِعْمَةِ الْإِيمَانِ، فَلَوْ كَانَ الْإِيمَانُ مِنَ الْعَبْدِ لَا مِنَ اللَّهِ لَكَانَ ذَلِكَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى فِعْلِهِ لَا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ قَبِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا [آلِ عِمْرَانَ: 188] فَإِنْ قِيلَ: فَهَبْ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَشْكُرُهُ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ/ بِهَا عَلَى وَالِدَيْهِ؟ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَشْكُرَ رَبَّهُ عَلَى مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ، قُلْنَا كُلُّ نِعْمَةٍ وَصَلَتْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى وَالِدَيْهِ، فَقَدْ وَصَلَ مِنْهَا أَثَرٌ إِلَيْهِ فَلِذَلِكَ وَصَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ يَشْكُرَ رَبَّهُ عَلَى الأمرين.
[في قوله تعالى وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ] وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ الثَّانِي: مِنَ الْمَطَالِبِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ، فَهُوَ قَوْلُهُ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يُعْتَقَدُ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِيهِ كَوْنُهُ صَالِحًا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِي يَكُونُ صَالِحًا عِنْدَهُ وَيَكُونُ صَالِحًا أَيْضًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي: الَّذِي يَظُنُّهُ صَالِحًا وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ صَالِحًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا قَسَّمَ الصَّالِحَ فِي ظَنِّهِ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُوَفِّقَهُ لِأَنْ يَأْتِيَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ يَكُونُ صَالِحًا عِنْدَ اللَّهِ ويكون مرضيا عند الله.
[في قوله تعالى وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي] وَالْمَطْلُوبُ الثَّالِثُ: مِنَ الْمَطَالِبِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى الْوَالِدِ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [إِبْرَاهِيمَ: 35] فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى (فِي) فِي قَوْلِهِ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي؟ قُلْنَا تَقْدِيرُ الْكَلَامِ هَبْ لِي الصَّلَاحَ فِي ذُرِّيَّتِي وَأَوْقِعْهُ فِيهِمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْ ذَلِكَ الدَّاعِي، أَنَّهُ طَلَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الثَّلَاثَةَ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَادُ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ التَّوْبَةِ، وَإِلَّا مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَتَبَيَّنَ أَنِّي إِنَّمَا أَقْدَمْتُ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ بَعْدَ أَنْ تُبْتُ إِلَيْكَ مِنَ الْكُفْرِ وَمِنْ كُلِّ قَبِيحٍ، وَبَعْدَ أَنْ دَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِقَضَائِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ، قَالُوا إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَسْلَمَ وَالِدَاهُ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْمُهَاجِرِينَ إِسْلَامُ الْأَبَوَيْنِ إِلَّا لَهُ، فَأَبَوْهُ أَبُو قُحَافَةَ عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وَأُمُّهُ أُمُّ الْخَيْرِ بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَوْلُهُ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَجَابَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ فَأَعْتَقَ تِسْعَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ مِنْهُمْ بِلَالٌ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَبْقَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَدٌ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إِلَّا وَقَدْ آمَنُوا، وَلَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ أَسْلَمَ أَبَوَاهُ وَجَمِيعُ أَوْلَادِهِ الذكور والإناث إلا لأبي بكر.
[في قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أُولئِكَ أَيْ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ قُرِئَ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ وَقُرِئَ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ، وَكَذَلِكَ نَتَجَاوَزُ وَكِلَاهُمَا فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْفِعْلَ وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَهُوَ كَقَوْلِهِ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الْأَنْفَالِ: 38] فَبَيَّنَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّنْ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ، وَيَسْلُكُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي تَقَدَّمَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 28  صفحه : 20
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست