responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 28  صفحه : 112
بِالْإِيمَانِ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الِافْتِرَاءِ وَالِارْتِيَابِ الَّذِي هُوَ دَأْبُ الْكَافِرِ. وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ عَمَّا يَكْثُرُ وَجُودُهُ في المسلمين، لذلك قَالَ فِي الْآيَةِ لَا يَسْخَرْ وَمِنْهَا أَنَّهُ خَتَمَ الْآيَتَيْنِ بِذِكْرِ التَّوْبَةِ، فَقَالَ فِي الْأُولَى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الْحُجُرَاتِ: 11] وقال في الأخرى إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ [الحجرات: 12] لَكِنْ فِي الْآيَةِ الْأَوْلَى لَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّهْيِ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ذَكَرَ النَّفْيَ الَّذِي هُوَ قَرِيبٌ مِنَ النَّهْيِ، وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ لَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ اجْتَنِبُوا ذَكَرَ الِارْتِيَابَ الَّذِي هو قريب من الأمر. ثم قال تعالى:

[سورة الحجرات (49) : آية 13]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
تَبْيِينًا لِمَا تَقَدَّمَ وَتَقْرِيرًا لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّخْرِيَةَ مِنَ الْغَيْرِ وَالْعَيْبَ إِنْ كَانَ بِسَبَبِ التَّفَاوُتِ فِي الدِّينِ وَالْإِيمَانِ، فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا بينا أن قوله لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات: 12] وقوله وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات: 11] مَنْعٌ مِنْ عَيْبِ الْمُؤْمِنِ وَغِيبَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ السَّبَبِ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّ النَّاسَ بَعُمُومِهِمْ كُفَّارًا كَانُوا أَوْ مُؤْمِنِينَ يَشْتَرِكُونَ فِيمَا يَفْتَخِرُ بِهِ الْمُفْتَخِرُ غَيْرَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَالِافْتِخَارُ إِنْ كَانَ بِسَبَبِ الْغِنَى، فَالْكَافِرُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا، وَالْمُؤْمِنُ فَقِيرًا وَبِالْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ النَّسَبِ، فَالْكَافِرُ قَدْ يَكُونُ نَسِيبًا، وَالْمُؤْمِنُ قَدْ يَكُونُ عَبْدًا أَسْوَدَ وَبِالْعَكْسِ، فَالنَّاسُ فِيمَا لَيْسَ مِنَ الدِّينِ وَالتَّقْوَى مُتَسَاوُونَ مُتَقَارِبُونَ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ مَعَ عَدَمِ التَّقْوَى، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ يَعْرِفُ أَنَّ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي دِينِهِ أَشْرَفُ مِمَّنْ يُخَالِفُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ أَرْفَعَ نَسَبًا أَوْ أَكْثَرَ نَشَبًا، فَكَيْفَ مَنْ لَهُ الدِّينُ الْحَقُّ وَهُوَ فِيهِ رَاسِخٌ، وَكَيْفَ يُرَجَّحُ عَلَيْهِ مَنْ دُونَهُ فِيهِ بسبب غيره، وقوله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ ثَانِيهُمَا: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمَوْجُودُونَ وَقْتَ النِّدَاءِ خَلَقْنَاهُ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأَوَّلُ، فَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنْ لَا يَتَفَاخَرَ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ لِكَوْنِهِمْ أَبْنَاءَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْمُرَادَ هُوَ الثَّانِي، فَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ خُلِقَ كَمَا خُلِقَ الْآخَرُ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْجِنْسِ دُونَ التَّفَاوُتِ فِي الْجِنْسَيْنِ، فَإِنَّ مِنْ سُنَنِ التَّفَاوُتِ أَنْ لَا يَكُونَ تَقْدِيرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الذُّبَابِ وَالذِّئَابِ، لَكِنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَ النَّاسِ بِالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ كَالتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ جَمَادٌ إِذْ هُوَ كَالْأَنْعَامِ، بَلْ أَضَلُّ، وَالْمُؤْمِنُ إِنْسَانٌ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْإِنْسَانِ تَفَاوُتٌ فِي الْحِسِّ لَا فِي الْجِنْسِ إِذْ كُلُّهُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، فَلَا يَبْقَى لِذَلِكَ عِنْدَ هَذَا اعْتِبَارٌ، وَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ لِلنَّسَبِ اعْتِبَارًا عُرْفًا وَشَرْعًا، حَتَّى لَا يَجُوزَ تَزْوِيجُ الشَّرِيفَةِ بِالنَّبَطِيِّ، فَنَقُولُ إِذَا جَاءَ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ لَا يَبْقَى الْأَمْرُ الْحَقِيرُ مُعْتَبَرًا، وَذَلِكَ فِي الْحِسِّ وَالشَّرْعِ والعرف، أما الحسن فَلِأَنَّ الْكَوَاكِبَ لَا تُرَى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ولجناح الذباب دوي ولا يسمع عند ما يَكُونُ رَعْدٌ قَوِيٌّ، وَأَمَّا فِي الْعُرْفِ، فَلِأَنَّ مَنْ جَاءَ مَعَ الْمَلِكِ لَا يَبْقَى لَهُ اعْتِبَارٌ وَلَا إِلَيْهِ الْتِفَاتٌ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فِيهِمَا فَفِي الشَّرْعِ كَذَلِكَ، إِذَا جَاءَ الشَّرَفُ الديني الإلهي، لا يبقى الأمر هُنَاكَ اعْتِبَارٌ، لَا لِنَسَبٍ وَلَا لِنَشَبٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَافِرَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْلَى النَّاسِ نَسَبًا، وَالْمُؤْمِنَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَدْوَنِهِمْ نَسَبًا، لَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَكَذَلِكَ مَا هو من الدين مَعَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا يَصْلُحُ لِلْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ كَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ كُلُّ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ إِذَا كَانَ دَيِّنًا عَالِمًا صَالِحًا، وَلَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَاسْقٌ، وَإِنْ كَانَ قُرَشِيَّ النَّسَبِ، وَقَارُونِيَّ النَّشَبِ، وَلَكِنْ إِذَا اجْتَمَعَ فِي
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 28  صفحه : 112
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست