responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 678
اتَّبَعَهُ وَذَهَبَ خَلْفَهُ، فَكَأَنَّهُ اتَّخَذَ هَوَاهُ آلِهَةً شَتَّى يَعْبُدُ كُلَّ وَقْتٍ وَاحِدًا مِنْهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ يَعْنِي عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ جَوْهَرَ رُوحِهِ لَا يَقْبَلُ الصَّلَاحَ، وَنَظِيرُهُ فِي جَانِبِ التَّعْظِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الْأَنْعَامِ: 124] وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ جَوَاهِرَ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهَا مُشْرِقَةٌ نُورَانِيَّةٌ عُلْوِيَّةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَمِنْهَا كَدِرَةٌ ظَلْمَانِيَّةٌ سُفْلِيَّةٌ عَظِيمَةُ الْمَيْلِ إِلَى الشَّهَوَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ، فَهُوَ تَعَالَى يُقَابِلُ كُلًّا مِنْهُمْ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِجَوْهَرِهِ وَمَاهِيَّتِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ فِي حَقِّ الْمَرْدُودِينَ وَبُقُولِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ فِي حَقِّ الْمَقْبُولِينَ.
ثُمَّ قَالَ: وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَقَوْلُهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى قَوْلِهِ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6] وَقَوْلُهُ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [البقرة: 7] وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِالِاسْتِقْصَاءِ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَدَّمَ ذِكْرَ السَّمْعِ عَلَى الْقَلْبِ، وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَدَّمَ الْقَلْبَ عَلَى السَّمْعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْمَعُ كَلَامًا فَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ مِنْهُ أَثَرٌ، مِثْلَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْكُفَّارِ كَانُوا يُلْقُونَ إِلَى النَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاعِرٌ وَكَاهِنٌ وَأَنَّهُ يَطْلُبُ الْمُلْكَ وَالرِّيَاسَةَ، فَالسَّامِعُونَ إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ أَبْغَضُوهُ وَنَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْهُ، وَأَمَّا كُفَّارُ مَكَّةَ فَهُمْ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ بِسَبَبِ الْحَسَدِ الشَّدِيدِ فَكَانُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، وَلَوْ سَمِعُوا كَلَامَهُ مَا فَهِمُوا مِنْهُ شَيْئًا نَافِعًا، فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى كَانَ الْأَثَرُ يَصْعَدُ مِنَ الْبَدَنِ إِلَى جَوْهَرِ النَّفْسِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ الْأَثَرُ يَنْزِلُ مِنْ جَوْهَرِ النَّفْسِ إِلَى قَرَارِ الْبَدَنِ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْقِسْمَانِ لَا جَرَمَ أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى كِلَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِهَذَيْنَ التَّرْتِيبَيْنِ اللَّذَيْنِ نَبَّهْنَا عَلَيْهِمَا وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْكَلَامَ قَالَ: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَيْ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَلَيْسَ يَبْقَى لِلْقَدَرِيَّةِ مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ عُذْرٌ وَلَا حِيلَةٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَّحَ بِمَنْعِهِ إِيَّاهُمْ عَنِ الْهُدَى حِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى سَمْعِ هَذَا الْكَافِرِ وَقَلْبِهِ وَبَصَرِهِ، وَأَقُولُ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ قَدْ سَبَقَتْ بِالِاسْتِقْصَاءِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ شُبْهَتَهُمْ فِي إِنْكَارِ الْقِيَامَةِ وَفِي إِنْكَارِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ، أَمَّا شُبْهَتُهُمْ فِي إِنْكَارِ الْقِيَامَةِ فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا فَإِنْ قَالُوا الْحَيَاةُ مقدمة على الموت في الدنيا فمنكر والقيامة كَانَ يَجِبُ أَنْ يَقُولُوا نَحْيَا وَنَمُوتُ، فَمَا السَّبَبُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْمَوْتِ عَلَى الْحَيَاةِ؟ قُلْنَا فِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ نَمُوتُ حَالَ كَوْنِهِمْ نُطَفًا فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ وَأَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ، وَبِقَوْلِهِ نَحْيا مَا حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا الثَّانِي: نَمُوتُ نَحْنُ وَنَحْيَا بِسَبَبِ بَقَاءِ أَوْلَادِنَا الثَّالِثُ: يَمُوتُ بَعْضٌ وَيَحْيَا بَعْضٌ الرَّابِعُ: وَهُوَ الَّذِي خَطَرَ بِالْبَالِ عِنْدَ كِتَابَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ ذِكْرَ الْحَيَاةِ فقال: مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: نَمُوتُ وَنَحْيا يَعْنِي أَنَّ تِلْكَ الْحَيَاةَ مِنْهَا مَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا الْمَوْتُ وَذَلِكَ فِي حَقِّ الَّذِينَ مَاتُوا، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَطْرَأِ الْمَوْتُ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَمُوتُوا بَعْدُ، وَأَمَّا شُبْهَتُهُمْ فِي إِنْكَارِ الْإِلَهِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، فَهُوَ قَوْلُهُمْ وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ يَعْنِي تَوَلُّدُ/ الْأَشْخَاصِ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ الْمُوجِبَةِ لِامْتِزَاجَاتِ الطَّبَائِعِ، وَإِذَا وَقَعَتْ تِلْكَ الِامْتِزَاجَاتُ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ حَصَلَتِ الْحَيَاةُ، وَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ حَصَلَ الْمَوْتُ، فَالْمُوجِبُ لِلْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ تَأْثِيرَاتُ الطَّبَائِعِ وَحَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ، وَلَا حَاجَةَ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى إِثْبَاتِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، فَهَذِهِ الطَّائِفَةُ جَمَعُوا بَيْنَ إِنْكَارِ الْإِلَهِ وَبَيْنَ إِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 678
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست