responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 593
تَقْرِيرَهُ تَعْذِيبَ الظَّالِمِينَ فِي الْآخِرَةِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَحْوَالَ أهل العقاب وأحوال أهل الثواب، الأول: فَهُوَ قَوْلُهُ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ خَائِفِينَ خَوْفًا شَدِيدًا مِمَّا كَسَبُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ يُرِيدُ أَنَّ وَبَالَهُ وَاقِعٌ بِهِمْ سَوَاءٌ أَشْفَقُوا أَوْ لَمْ يُشْفِقُوا، وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ أَحْوَالُ أَهْلِ الثَّوَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لِأَنَّ رَوْضَةَ الْجَنَّةِ أَطْيَبُ بُقْعَةٍ فِيهَا، وَفِي الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْفُسَّاقَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ خَصَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِرَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، وَهِيَ الْبِقَاعُ الشَّرِيفَةُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَالْبِقَاعُ الَّتِي دُونَ تِلْكَ الرَّوْضَاتِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مَخْصُوصَةً بِمَنْ كَانَ دُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ثم قال: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ الْأَشْيَاءِ حَاضِرَةٌ عِنْدَهُ مُهَيَّأَةٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي تَعْظِيمِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ وَأَصْحَابُنَا اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بطريق الفضل من الله تعالى لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ وَوِجْدَانَ كُلِّ مَا يُرِيدُونَهُ إِنَّمَا كَانَ جَزَاءً عَلَى الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْجَزَاءَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْعَمَلِ إِنَّمَا حَصَلَ بِطَرِيقِ الْفَضْلِ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ.
ثُمَّ قَالَ: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قُرِئَ يُبَشِّرُ من بشره ويبشر من أبشره ويبشر مِنْ بَشَرَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ دَالَّةٌ عَلَى تَعْظِيمِ حَالِ الثَّوَابِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَتَّبَ عَلَى الْإِيمَانِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، وَالسُّلْطَانُ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَوْجُودَاتِ وَأَكْرَمُهُمْ إِذَا رَتَّبَ عَلَى أَعْمَالٍ شَاقَّةٍ جَزَاءً، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْجَزَاءَ قَدْ بَلَغَ إِلَى حَيْثُ لَا يَعْلَمُ كُنْهَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ وقوله لَهُمْ ما يَشاؤُنَ يَدْخُلُ فِي بَابِ غَيْرِ الْمُتَنَاهِي لِأَنَّهُ لَا دَرَجَةَ إِلَّا وَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ وَالَّذِي يَحْكُمُ بِكِبَرِهِ مَنْ لَهُ الْكِبْرِيَاءُ وَالْعَظَمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ فِي غَايَةِ الْكِبَرِ الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَعَادَ الْبِشَارَةَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ فَقَالَ: الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى غَايَةِ الْعَظَمَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْفَوْزَ بِهَا وَالْوُصُولَ إِلَيْهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْحَى إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكِتَابَ الشَّرِيفَ الْعَالِيَ وَأَوْدَعَ فيه الثلاثة أقسام الدَّلَائِلَ وَأَصْنَافَ التَّكَالِيفِ، وَرَتَّبَ عَلَى الطَّاعَةِ الثَّوَابَ، وَعَلَى الْمَعْصِيَةِ الْعِقَابَ، بَيَّنَ أَنِّي لَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ بِسَبَبِ هَذَا التَّبْلِيغِ نَفْعًا عَاجِلًا وَمَطْلُوبًا حَاضِرًا، لِئَلَّا يَتَخَيَّلَ جَاهِلٌ أَنَّ مَقْصُودَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا التَّبْلِيغِ المال والجاه فقال:
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: قَالَ الشَّعْبِيُّ أَكْثَرَ النَّاسُ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَكَتَبْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ نَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَاسِطَ النَّسَبِ مِنْ قُرَيْشٍ لَيْسَ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِهِمْ إِلَّا وَقَدْ وَلَدَهُ فَقَالَ الله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ أَجْراً إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ قَوْمِي وَأَحَقُّ مَنْ أَجَابَنِي وَأَطَاعَنِي، فَإِذَا
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 593
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست