responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 589
بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آلِ عِمْرَانَ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ [آلِ عِمْرَانَ: 19] وَقَالَ فِي سُورَةِ لَمْ يَكُنْ وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [الْبَيِّنَةِ: 4] وَلِأَنَّ قَوْلُهُ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ لَائِقٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُمْ هُمُ الْعَرَبُ، وَهَذَا بَاطِلٌ لِلْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَلِيقُ بِالْعَرَبِ، لِأَنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ، هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مِنْ كِتَابِهِمْ مُرِيبٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَقَّ الْإِيمَانِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ يَعْنِي فَلِأَجْلِ ذَلِكَ التَّفَرُّقِ وَلِأَجْلِ مَا حَدَثَ مِنَ الِاخْتِلَافَاتِ الْكَثِيرَةِ فِي الدِّينِ، فَادْعُ إِلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ وَاسْتَقِمْ عَلَيْهَا وَعَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمُ الْمُخْتَلِفَةَ الْبَاطِلَةَ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ أَيْ بِأَيِّ كِتَابٍ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ، يَعْنِي الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، لِأَنَّ الْمُتَفَرِّقِينَ آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ إِلَى قَوْلِهِ أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [النِّسَاءِ: 151] ثُمَّ قَالَ: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ أَيْ فِي الْحُكْمِ إِذَا تَخَاصَمْتُمْ فَتَحَاكَمْتُمْ إِلَيَّ، قَالَ الْقَفَّالُ: مَعْنَاهُ أَنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ لَا أُفَرِّقَ بَيْنَ نَفْسِي وَأَنْفُسِكُمْ بِأَنْ آمُرَكُمْ بِمَا لَا أَعْمَلُهُ، أَوْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، لَكِنِّي أُسَوِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ نَفْسِي، وَكَذَلِكَ أُسَوِّي بَيْنَ أَكَابِرِكُمْ وَأَصَاغِرِكُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ وَالْمَعْنَى أَنَّ إِلَهَ الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مَخْصُوصٌ بِعَمَلِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَغِلَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي الدُّنْيَا بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُجَازِيهِ عَلَى عَمَلِهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُتَارَكَةُ وَاشْتِغَالُ كُلِّ أَحَدٍ بِمُهِمِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَلِيقُ بِهَذِهِ الْمُتَارَكَةِ مَا فُعِلَ بِهِمْ مِنَ الْقَتْلِ وَتَخْرِيبِ الْبُيُوتِ وَقَطْعِ النَّخِيلِ وَالْإِجْلَاءِ؟ قُلْنَا هَذِهِ الْمُتَارَكَةُ كَانَتْ مَشْرُوطَةً بِشَرْطِ أَنْ يَقْبَلُوا الدِّينَ الْمُتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهِ بَيْنَ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَدَخَلَ فِيهِ التَّوْحِيدُ، وَتَرْكُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَالْإِقْرَارُ بِنُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَبِصِحَّةِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلُوا هَذَا الدِّينَ، فَحِينَئِذٍ فَاتَ الشَّرْطُ، فَلَا جَرَمَ فَاتَ الْمَشْرُوطُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ تَحْرِيمَ مَا يَجْرِي مَجْرَى مُحَاجَّتِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَذْكُورٌ فِي مَعْرِضِ الْمُحَاجَّةِ، فَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ تَحْرِيمُ الْمُحَاجَّةِ، لَزِمَ كَوْنُهَا مُحَرَّمَةً لِنَفْسِهَا وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْلَا الْأَدِلَّةُ لَمَا تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ الثَّالِثُ: أَنَّ الدَّلِيلَ يُفِيدُ الْعِلْمَ وذلك لا يمكن تحريمه، بل المرد أَنَّ الْقَوْمَ عَرَفُوا بِالْحُجَّةِ صِدْقَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا تَرَكُوا تَصْدِيقَهُ بَغْيًا وَعِنَادًا، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ مُحَاجَّتِهِمْ لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا بِالْحُجَّةِ صِدْقَهُ فَلَا حَاجَةَ مَعَهُمْ إِلَى الْمُحَاجَّةِ الْبَتَّةَ، وَمِمَّا يُقَوِّي قَوْلَنَا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحْرِيمُ الْمُحَاجَّةِ، قَوْلُهُ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] وقوله تَعَالَى:
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ [النَّحْلِ: 125] وَقَوْلُهُ وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46] وقوله يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا [هُودٍ: 32] وَقَوْلُهُ وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ [الْأَنْعَامِ: 83] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ أَيْ يُخَاصِمُونَ فِي دِينِهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 589
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست