responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 565
ثُمَّ قَالَ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يَعْنِي ادْفَعْ سَفَاهَتَهُمْ وَجَهَالَتَهُمْ بِالطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ الطُّرُقِ، فَإِنَّكَ إِذَا صَبَرْتَ عَلَى سُوءِ أَخْلَاقِهِمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَمْ تُقَابِلْ سَفَاهَتَهُمْ بِالْغَضَبِ وَلَا إِضْرَارَهُمْ بِالْإِيذَاءِ وَالْإِيحَاشِ اسْتَحْيَوْا مِنْ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ وَتَرَكُوا تِلْكَ الْأَفْعَالَ الْقَبِيحَةَ.
ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ يَعْنِي إِذَا قَابَلْتَ إِسَاءَتَهُمْ بِالْإِحْسَانِ، وَأَفْعَالَهُمُ الْقَبِيحَةَ بِالْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ تَرَكُوا أَفْعَالَهُمُ الْقَبِيحَةَ وَانْقَلَبُوا مِنَ الْعَدَاوَةِ إِلَى الْمَحَبَّةِ وَمِنَ الْبِغْضَةِ إِلَى الْمَوَدَّةِ، وَلَمَّا أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى هَذَا الطَّرِيقِ النَّافِعِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَظَّمَهُ فَقَالَ: وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ وَمَا يُلَقَّى هَذِهِ الْفِعْلَةَ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى تَحَمُّلِ الْمَكَارِهِ وَتَجَرُّعِ الشَّدَائِدِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَتَرْكِ الِانْتِقَامِ.
ثُمَّ قَالَ: وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ مِنَ الْفَضَائِلِ النَّفْسَانِيَّةِ وَالدَّرَجَةِ الْعَالِيَةِ فِي الْقُوَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ، فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالِانْتِقَامِ وَالدَّفْعِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ تَأَثُّرِ النَّفْسِ، وَتَأَثُّرُ النَّفْسِ مِنَ الْوَارِدَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ ضَعْفِ النَّفْسِ فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ النَّفْسُ قَوِيَّةَ الْجَوْهَرِ لَمْ تَتَأَثَّرْ مِنَ الْوَارِدَاتِ الْخَارِجِيَّةِ، وَإِذَا لَمْ تَتَأَثَّرْ مِنْهَا لَمْ تَضْعُفْ وَلَمْ تَتَأَذَّ وَلَمْ تَشْتَغِلْ بِالِانْتِقَامِ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ السِّيرَةَ الَّتِي شَرَحْنَاهَا لَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ مِنْ قُوَّةِ النَّفْسِ وَصَفَاءِ الْجَوْهَرِ وَطَهَارَةِ الذَّاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا مَدْحٌ بِفِعْلِ الصَّبْرِ، وَقَوْلُهُ وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَعْدٌ بِأَعْظَمِ الْحَظِّ مِنَ الثَّوَابِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ هَذَا الطَّرِيقَ الْكَامِلَ فِي دَفْعِ الْغَضَبِ وَالِانْتِقَامِ، وَفِي تَرْكِ الْخُصُومَةِ ذَكَرَ عَقِيبَهُ طَرِيقًا آخَرَ عَظِيمَ النَّفْعِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ، فَقَالَ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَهَذِهِ الْآيَةُ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ مُفَسَّرَةٌ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» النَّزْغُ وَالنَّسْغُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ شِبْهُ النَّخْسِ/ وَالشَّيْطَانُ يَنْزِغُ الْإِنْسَانَ، كَأَنَّهُ يَنْخُسُهُ بِبَعْثِهِ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي وَجُعِلَ النَّزْغُ نَازِغًا، كَمَا قِيلَ: جَدَّ جِدُّهُ أَوْ أُرِيدَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ نَازِغٌ وَصْفًا لِلشَّيْطَانِ بِالْمَصْدَرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ وَإِنْ صَرَفَكَ الشَّيْطَانُ عَمَّا شَرَّعْتُ مِنَ الدَّفْعِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، وَامْضِ عَلَى شَأْنِكَ ولا تطعه، والله أعلم.

[سورة فصلت (41) : الآيات 37 الى 39]
وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ أَحْسَنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ هُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عِبَارَةٌ عَنْ تَقْرِيرِ الدلائل الدالة
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 565
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست