responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 535
لِأَجْلِ طَلَبِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَقَدْ بَاعَ الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فَاسِدَةٌ، لِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ ذَاهِبَةٌ، وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْنِي لَوْ سَارُوا فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ لَعَرَفُوا أَنَّ عَاقِبَةَ الْمُتَكَبِّرِينَ الْمُتَمَرِّدِينَ، لَيْسَتْ إِلَّا الْهَلَاكَ وَالْبَوَارَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا وَمَالًا وَجَاهًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَفِيدُوا مِنْ تِلْكَ الْمُكْنَةِ الْعَظِيمَةِ وَالدَّوْلَةِ الْقَاهِرَةِ إِلَّا الْخَيْبَةَ وَالْخَسَارَ، وَالْحَسْرَةَ وَالْبَوَارَ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينِ، أَمَّا بَيَانُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ/ هَؤُلَاءِ عَدَدًا فَإِنَّمَا يُعْرَفُ فِي الْأَخْبَارِ، وَأَمَّا أَنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ، فَلِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ آثَارُهُمْ بِحُصُونٍ عَظِيمَةٍ بَعْدَهُمْ، مِثْلُ الْأَهْرَامِ الْمَوْجُودَةِ بِمِصْرَ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْبِلَادِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْمُلُوكُ الْمُتَقَدِّمُونَ، وَمِثْلُ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ مَا فِي قَوْلِهِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ نَافِيَةٌ أَوْ مُضَمَّنَةٌ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَمَحَلُّهَا النَّصْبُ، وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ وَمَحَلُّهَا الرَّفْعُ يَعْنِي أَيَّ شَيْءٍ أَغْنَى عَنْهُمْ مَكْسُوبُهُمْ أَوْ كَسْبُهُمْ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ لَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَرِحُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْكُفَّارِ، وَأَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الرُّسُلِ، أَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْكُفَّارِ، فَذَلِكَ الْعِلْمُ الَّذِي فَرِحُوا بِهِ أَيُّ عِلْمٍ كَانَ؟ وَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهَا بِالْعِلْمِ، وَهِيَ الشُّبُهَاتُ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِمْ وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الْجَاثِيَةِ: 24] وَقَوْلِهِمْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا [الْأَنْعَامِ: 148] وقولهم مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس: 78] ، وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً [الْكَهْفِ: 36] وَكَانُوا يَفْرَحُونَ بِذَلِكَ وَيَدْفَعُونَ بِهِ عُلُومَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا قال: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون: 53] ، الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عُلُومَ الْفَلَاسِفَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا بِوَحْيِ اللَّهِ دَفَعُوهُ وَصَغَّرُوا عِلْمَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى عُلُومِهِمْ، وَعَنْ سُقْرَاطَ أَنَّهُ سَمِعَ بِمَجِيءِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فَقِيلَ لَهُ لو هاجرت إليه فَقَالَ نَحْنُ قَوْمٌ مَهْدِيُّونَ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى مَنْ يَهْدِينَا الثَّالِثُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عِلْمَهُمْ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَمَعْرِفَتَهُمْ بِتَدْبِيرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [الرُّومِ: 7] ، ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [النَّجْمِ: 30] فَلَمَّا جَاءَهُمُ الرُّسُلُ بِعُلُومِ الدِّيَانَاتِ وَهِيَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَةُ المعاد وَتَطْهِيرُ النَّفْسِ عَنِ الرَّذَائِلِ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا واستهزؤا بِهَا، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ لَا عِلْمَ أَنْفَعُ وَأَجْلَبُ لِلْفَوَائِدِ مِنْ عِلْمِهِمْ، فَفَرِحُوا بِهِ. أَمَّا إِذَا قُلْنَا الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ:
أَنْ يُجْعَلَ الْفَرَحُ لِلرُّسُلِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرُّسُلَ لَمَّا رَأَوْا مِنْ قَوْمِهِمْ جَهْلًا كَامِلًا، وَإِعْرَاضًا عَنِ الْحَقِّ وَعَلِمُوا سُوءَ عَاقِبَتِهِمْ وَمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى جَهْلِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ، فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ وَشَكَرُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، وَحَاقَ بِالْكَافِرِينَ جَزَاءُ جَهْلِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَ الرُّسُلِ مِنَ الْعِلْمِ فَرَحَ ضَحِكٍ مِنْهُ وَاسْتِهْزَاءٍ بِهِ، كَأَنَّهُ قال استهزؤا بِالْبَيِّنَاتِ، وَبِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِلْمِ الْوَحْيِ فَرِحِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ الْبَأْسُ شِدَّةُ الْعَذَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بِعَذابٍ بَئِيسٍ [الْأَعْرَافِ: 165] فَإِنْ قِيلَ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ قَوْلِهِ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ وَبَيْنَ ما
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 535
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست