responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 519
الْكَلِمَةِ أَوْ بِتِلْكَ الْخَطْوَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَجَبَ أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا وَاحِدًا مِنَ الصَّالِحَاتِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيُرْزَقُ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَالْآتِي بِالْإِيمَانِ وَالْمُوَاظِبُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّقْدِيسِ مُدَّةَ ثَمَانِينَ سَنَةً قَدْ أَتَى بِأَعْظَمِ الصَّالِحَاتِ وَبِأَحْسَنِ الطَّاعَاتِ، فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَالْخَصْمُ يَقُولُ إِنَّهُ يَبْقَى مُخَلَّدًا في النار أبدا الْآبَادِ [1] فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ هَذَا النَّصِّ الصَّرِيحِ. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ إِنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِيهِ كَوْنَهُ مُؤْمِنًا وَصَاحِبُ الْكَبِيرَةِ عِنْدَنَا/ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَعْدِ وَالْجَوَابُ: أَنَّا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [الْبَقَرَةِ: 3] أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ فَسَقَطَ هَذَا الْكَلَامُ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمَّا كَانَ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ الثَّوَابِ قِيلَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَقَالَ الْآخَرُونَ لِأَنَّهُ تَعَالَى يُعْطِيهِمْ ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ وَيَضُمُّ إِلَى ذَلِكَ الثَّوَابِ مِنْ أَقْسَامِ التَّفَضُّلِ مَا يَخْرُجُ عَنِ الْحِسَابِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ حِسابٍ وَاقِعٌ فِي مُقَابَلَةِ إِلَّا مِثْلَها يَعْنِي أَنَّ جَزَاءَ السَّيِّئَةِ لَهُ حِسَابٌ وَتَقْدِيرٌ، لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، فَأَمَّا جَزَاءُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَبِغَيْرِ تَقْدِيرٍ وَحِسَابٍ بَلْ مَا شِئْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْكَثْرَةِ وَالسِّعَةِ، وَأَقُولُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَانِبَ الرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ رَاجِحٌ عَلَى جَانِبِ الْقَهْرِ وَالْعِقَابِ، فَإِذَا عَارَضْنَا عُمُومَاتِ الْوَعْدِ بِعُمُومَاتِ الْوَعِيدِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّرْجِيحُ بِجَانِبِ عُمُومَاتِ الْوَعْدِ وَذَلِكَ يَهْدِمُ قَوَاعِدَ الْمُعْتَزِلَةِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ وَنَادَى فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَقَالَ: يَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ يَعْنِي أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ النَّجَاةَ وَتَدْعُونَنِي إِلَى الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَرَّرَ نِدَاءَ قَوْمِهِ، وَلِمَ جَاءَ بِالْوَاوِ فِي النِّدَاءِ الثَّالِثِ دُونَ الثَّانِي؟ قُلْنَا أَمَّا تَكْرِيرُ النِّدَاءِ فَفِيهِ زِيَادَةُ تَنْبِيهٍ لَهُمْ وَإِيقَاظٌ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ، وَإِظْهَارُ أَنَّ لَهُ بِهَذَا الْمُهِمِّ مَزِيدَ اهْتِمَامٍ، وَعَلَى أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ فَرْطَ شَفَقَةٍ، وَأَمَّا الْمَجِيءُ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ فَلِأَنَّ الثَّانِيَ يَقْرُبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الثَّانِيَ بَيَانٌ لِلْأَوَّلِ وَالْبَيَانُ عَيْنُ الْمُبَيَّنِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبَايِنٌ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَحَسُنَ إِيرَادُ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ فِيهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْمُؤْمِنُ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ، فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَإِلَى الشِّرْكِ بِهِ، أَمَّا الْكُفْرُ بِاللَّهِ فَلِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ كَانُوا يُنْكِرُونَ وُجُودَ الْإِلَهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُقِرُّ بِوُجُودِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُثْبِتُ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْعِلْمِ نَفْيُ الْمَعْلُومِ، كَأَنَّهُ قَالَ وَأُشْرِكُ بِهِ مَا لَيْسَ بِإِلَهٍ وَمَا لَيْسَ بِإِلَهٍ كَيْفَ يُعْقَلُ جَعْلُهُ شَرِيكًا لِلْإِلَهِ؟ وَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ بَيَّنَ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِالْعَزِيزِ الْغَفَّارِ فَقَوْلُهُ الْعَزِيزِ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِ كَامِلَ الْقُدْرَةِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ كَامِلَ الْقُدْرَةِ، وَأَمَّا فِرْعَوْنُ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْعَجْزِ فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا، وَأَمَّا الْأَصْنَامُ فَإِنَّهَا أَحْجَارٌ مَنْحُوتَةٌ فَكَيْفَ يُعْقَلُ الْقَوْلُ بِكَوْنِهَا آلِهَةً وَقَوْلُهُ الْغَفَّارِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا آيِسِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِسَبَبِ إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ مُدَّةً مَدِيدَةً، فَإِنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا لَا يُغْلَبُ قَادِرًا لَا يُغَالَبُ، لَكِنَّهُ غَفَّارٌ يَغْفِرُ كُفْرَ سَبْعِينَ سَنَةً بِإِيمَانِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا جَرَمَ وَالْكَلَامُ فِي تَفْسِيرِ لَا جَرَمَ مَرَّ فِي سُورَةِ هُودٍ فِي قَوْلُهُ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ [هُودٍ: 22] وَقَدْ أَعَادَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» هَاهُنَا فَقَالَ لَا جَرَمَ مَسَاقُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ أَنْ يُجْعَلَ (لَا) رَدًّا لِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ قَوْمُهُ وجَرَمَ فعل بمعنى حق وأَنَّما مَعَ مَا فِي حَيِّزِهِ فَاعِلُهُ أَيْ حَقٌّ وَوَجَبَ بُطْلَانُ دَعْوَتِهِ أَوْ بِمَعْنَى كَسْبٍ مِنْ

[1] هذا بناء على أن المؤمن العاصي بارتكاب الكبائر من المحرمات مخلد في النار، وهو ظاهر
الحديث «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ،
أي أنه يسلب منه الإيمان، وبناء على القول بأن الحدود زواجر لا جوابر وهو خلاف رأي أهل السنة.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 519
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست