responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 515
تَعْرِيفِ إِلَهِ الْعَالَمِ عَلَى ذِكْرِ صِفَةِ الْخَلَّاقِيَّةِ فَقَالَ فِي سُورَةِ طه رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: 50] وَقَالَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ... رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما [الشُّعَرَاءِ: 26، 28] فَظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَ ذَاتِ اللَّهِ بِكَوْنِهِ فِي السَّمَاءِ دِينُ فِرْعَوْنَ وَتَعْرِيفَهُ بِالْخَلَّاقِيَّةِ وَالْمَوْجُودِيَّةِ دِينُ مُوسَى، فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ كَانَ عَلَى دِينِ فِرْعَوْنَ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي كَانَ عَلَى دِينِ مُوسَى، ثُمَّ نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ فِرْعَوْنُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَلْ لَعَلَّهُ كَانَ عَلَى دِينِ الْمُشَبِّهَةِ فَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِلَهَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَكَانَ حَاصِلًا فِي السَّمَاءِ، فَهُوَ إِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الِاعْتِقَادَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَا لِأَجْلِ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً فَنَقُولُ لَعَلَّهُ لَمَّا سَمِعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ظن أنه عنى به أنه رب السموات، كَمَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنَّا إِنَّهُ رَبُّ الدَّارِ بِمَعْنَى كَوْنِهِ سَاكِنًا فِيهِ، فَلَمَّا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ حَكَى عَنْهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ، فَإِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ بَلَغَ فِي الْجَهْلِ وَالْحَمَاقَةِ إِلَى حَيْثُ لَا يَبْعُدُ نِسْبَةُ هَذَا الْخَيَالِ إِلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَبْعَدَ الْخَصْمُ نِسْبَةَ هَذَا الْخَيَالِ إِلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ لَائِقًا بِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا عَلَى دِينِ فِرْعَوْنَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ تَعْظِيمُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ فِطْرَةَ فِرْعَوْنَ شَهِدَتْ بِأَنَّ الْإِلَهَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَكَانَ فِي السَّمَاءِ، قُلْنَا نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ فِطْرَةَ أَكْثَرِ النَّاسِ تُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ صِحَّةَ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا مَنْ بَلَغَ فِي الْحَمَاقَةِ إِلَى دَرَجَةِ فِرْعَوْنَ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ سَاقِطٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَنَّ فِرْعَوْنَ هَلْ قَصَدَ بِنَاءَ الصَّرْحِ لِيَصْعَدَ مِنْهُ إِلَى السَّمَاءِ أَمْ لَا؟ أَمَّا الظَّاهِرِيُّونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فَقَدْ قَطَعُوا بِذَلِكَ، وَذَكَرُوا حِكَايَةً طَوِيلَةً فِي كَيْفِيَّةِ بِنَاءِ ذَلِكَ الصَّرْحِ، وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ بَعِيدٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ فِرْعَوْنُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمَجَانِينِ أَوْ كَانَ مِنَ الْعُقَلَاءِ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمَجَانِينِ لَمْ يَجُزْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِرْسَالُ الرَّسُولِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَقْلَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ، وَلَمْ يَجُزْ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَذْكُرَ حِكَايَةَ كَلَامِ مَجْنُونٍ فِي الْقُرْآنِ، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْعُقَلَاءِ فَنَقُولُ إِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ بِبَدِيهَةِ عَقْلِهِ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ فِي قُدْرَةِ الْبَشَرِ وَضْعُ بِنَاءٍ يَكُونُ أَرْفَعَ مِنَ الْجَبَلِ الْعَالِي، وَيَعْلَمُ أَيْضًا بِبَدِيهَةِ عَقْلِهِ أَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ فِي الْبَصَرِ حَالُ السَّمَاءِ بَيْنَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجِبَالِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ أَعْلَى الْجِبَالِ، وَإِذَا كَانَ هَذَانِ الْعِلْمَانِ بَدِيهِيَّيْنِ امْتَنَعَ أَنْ يَقْصِدَ الْعَاقِلُ وَضْعَ بِنَاءٍ يَصْعَدُ مِنْهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا كَانَ فَسَادُ هَذَا مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ امْتَنَعَ إِسْنَادُهُ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَالَّذِي عِنْدِي فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ وَغَرَضُهُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ إِيرَادُ شُبْهَةٍ فِي نَفْيِ الصَّانِعِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّا لَا نَرَى شَيْئًا نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إِلَهُ الْعَالَمِ فَلَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُ هَذَا الْإِلَهِ، أَمَّا إِنَّهُ لَا نَرَاهُ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَكَانَ فِي السَّمَاءِ وَنَحْنُ لَا سَبِيلَ لنا إلى صعود السموات فَكَيْفَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَرَاهُ، ثُمَّ إِنَّهُ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ صُعُودُ السموات قال يَا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا عَرَفَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ مُمْتَنِعٌ كَانَ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَةِ وُجُودِ اللَّهِ بِطَرِيقِ الْحِسِّ مُمْتَنِعًا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ [الْأَنْعَامِ: 35] وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ وَضَعَ سُلَّمًا إِلَى السَّمَاءِ، بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا عُرِفَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُمْتَنِعٌ فَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكَ إِلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ، فَكَذَا هَاهُنَا غَرَضُ فِرْعَوْنَ من قوله يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً يَعْنِي أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى إِلَهِ مُوسَى لَمَّا كَانَ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَكَانَ هَذَا الطَّرِيقُ مُمْتَنِعًا،
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 27  صفحه : 515
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست