responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 389
خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ
[ص: 26] وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ هَذَا قَالَ نِعْمَ مَا فَعَلَ حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْحُكْمِ بِالْحَقِّ، ثُمَّ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَأَنَا لَا آمُرُكَ بِالْحَقِّ فَقَطْ، بَلْ أَنَا مَعَ أَنِّي رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا أفعل إلا بالحق ولا أفضي بِالْبَاطِلِ، فَهَهُنَا الْخَصْمُ يَقُولُ نِعْمَ مَا فَعَلَ حَيْثُ لَمْ يَقْضِ إِلَّا بِالْحَقِّ، فَعِنْدَ هَذَا يُقَالُ لَمَّا سَلَّمْتَ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْحَقِّ لَا بِالْبَاطِلِ، لَزِمَكَ أَنْ تُسَلِّمَ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ رَاجِحًا عَلَى الْمُسْلِمِ فِي إِيصَالِ الْخَيْرَاتِ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ ضِدُّ الْحِكْمَةِ وَعَيْنُ الْبَاطِلِ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ اللَّطِيفِ أَوْرَدَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِلْزَامَ الْقَاطِعَ عَلَى مُنْكِرِي الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ إِيرَادًا لَا يُمْكِنُهُمُ الْخَلَاصُ عَنْهُ، فَصَارَ ذَلِكَ الْخَصْمُ الَّذِي بَلَغَ فِي إِنْكَارِ الْمَعَادِ إِلَى حَدِّ الِاسْتِهْزَاءِ مُفْحَمًا مُلْزَمًا بِهَذَا/ الطَّرِيقِ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الدَّقِيقَةَ فِي الْإِلْزَامِ فِي الْقُرْآنِ، لَا جَرَمَ وَصْفَ الْقُرْآنَ بِالْكَمَالِ وَالْفَضْلِ، فَقَالَ: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ وَلَمْ يَتَأَمَّلْ وَلَمْ يُسَاعِدْهُ التَّوْفِيقُ الْإِلَهِيُّ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذِهِ الْأَسْرَارِ الْعَجِيبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، حَيْثُ يَرَاهُ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ مَقْرُونًا بِسُوءِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَكْمَلِ جِهَاتِ التَّرْتِيبِ، فَهَذَا مَا حَضَرَنَا فِي تفسير هذه الآيات، وبالله التوفيق.

[سورة ص (38) : الآيات 30 الى 33]
وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33)
[القصة الثانية]
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ وَقَوْلُهُ: نِعْمَ الْعَبْدُ فِيهِ مَبَاحِثُ:
الْأَوَّلُ: نَقُولُ الْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ فِي نِعْمَ الْعَبْدُ مَحْذُوفٌ، فَقِيلَ هُوَ سُلَيْمَانُ، وَقِيلَ دَاوُدُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ إِنَّهُ أَوَّابٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ دَاوُدَ، لِأَنَّ وَصْفَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَيْثُ قَالَ: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 17] فلو قلنا لفظ الأواب هاهنا أَيْضًا صِفَةُ دَاوُدَ لَزِمَ التَّكْرَارُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهُ صِفَةٌ لِسُلَيْمَانَ لَزِمَ كَوْنُ الِابْنِ شَبِيهًا لِأَبِيهِ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ فِي الْفَضِيلَةِ، فَكَانَ هذا أولى.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا نِعْمَ الْعَبْدُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ إِنَّهُ أَوَّابٌ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ لِلتَّعْلِيلِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّابًا، فَيَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ كَثِيرَ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَفِي أَكْثَرِ الْمُهِمَّاتِ كَانَ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ نِعْمَ الْعَبْدُ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ، لِأَنَّ كَمَالُ الْإِنْسَانِ فِي أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ لِذَاتِهِ وَالْخَيْرَ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ، وَرَأْسُ الْمَعَارِفِ وَرَئِيسُهَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَأْسُ الطَّاعَاتِ وَرَئِيسُهَا الِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرَاتِ إِلَّا بِإِعَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ كَثِيرَ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ أَوَّابًا، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَوَّابًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نِعْمَ الْعَبْدُ.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ فَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ نِعْمَ الْعَبْدُ هُوَ إِذْ كَانَ مِنْ أَعْمَالِهِ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا الثَّانِي: أَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ. وَالتَّقْدِيرُ اذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، وَالْعَشِيُّ/ هُوَ مِنْ حِينِ الْعَصْرِ إِلَى آخَرِ النَّهَارِ عُرِضَ الْخَيْلُ عَلَيْهِ لِيَنْظُرَ إِلَيْهَا وَيَقِفَ عَلَى كَيْفِيَّةِ أَحْوَالِهَا، وَالصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ الْخَيْلُ وُصِفَتْ بِوَصْفَيْنِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 389
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست